تركز الولاياتالمتحدة في هذه الآونة على التصدي لنفوذ الصينوروسيا المتصاعد، حتى أنها بدأت تنسحب من الجبهات التقليدية التي كانت تنتشر بها في الشرق الأوسط، لصالح التركيز على الجبهات الجديدة. ويقول الخبير العسكري الأميركي ديفيد تي باين، الحائز على ماجستير في دراسات الأمن القومي من جامعة جورج تاون إن هناك تهديدا متزايدا من إمكانية نشوب حرب على جبهتين مع روسياوالصين، وينبع ذلك من تفوقهما المتزايد على الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بالأسلحة النووية، والنبض الكهرومغناطيسي والأسلحة السيبرانية. وعلى الرغم من هذا التراجع العسكري الاستراتيجي المتزايد للولايات المتحدة، لا يزال العديد من صناع السياسة الأميركيين، إن لم يكن معظمهم، يعتقدون أن الولاياتالمتحدة هي أقوى قوة عسكرية على وجه الأرض، وقد تسببت هذه المغالطة في إهمال إعادة بناء الترسانة النووية الأميركية، وبناء نظام وطني شامل للدفاع الصاروخي، وتقوية الشبكة الكهربائية الأميركية لردع أي هجوم كارثي من قبل روسيا أو الصين. ويضيف باين نائب مدير العمليات القومية لمجموعة العمل حول الأمن القومي والوطني الخاصة بمواجهة هجوم النبض الكهرومغناطيسي في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية إنه يجب على القادة الأميركيين التخلص من مفهومهم المثالي الخاطئ عن عالم آمن أحادي القطب يتم فيه الاعتراف بالولاياتالمتحدة عالميا كأقوى قوة عظمى. ويوضح باين أن الواقع مختلف تماما. والآن تواجه الولاياتالمتحدة خيارات محدودة وغير مريحة على نحو متزايد، وبحسب رأيه هي في حاجة ماسة إلى استراتيجية كبرى جديدة ذات تفكير تطلعي تتصدى لهذا التحالف المزدهر بين قوتين نوويتين عظميين. وللرد على معضلة الأمن القومي غير المسبوقة هذه وضمان بقاء أميركا، يرى باين أنه يجب على القادة الأميركيين أن يستغنوا عن سعيهم للهيمنة، وهي استراتيجية كبرى فاشلة عفا عليها الزمن، ويستعينوا بدلا من ذلك باستراتيجية ضغط استراتيجي للقوات وتحقيق التوازن في الخارج، وأن تعيد تركيزها على الدفاع عن المصالح الأساسية والحيوية للولايات المتحدة. ومن شأن ذلك أن يقلل من مخاطر اندلاع حرب غير ضرورية مع خصوم أميركا النوويين الكبار، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى عالم أكثر أمانا، ويؤمل أن يكون أكثر سلاما.ومن شأن استراتيجية تحقيق التوازن في الخارج أن تعيد حرية العمل الأميركية لاختيار الحروب التي ستشارك فيها والحروب التي يجب تجنبها، بالنظر إلى أن مثل هذه الحروب يمكن أن تتصاعد بسرعة وبشكل غير متوقع إلى المستوى النووي. وبناء على ذلك، ومن أجل الحد من الخطر المتزايد لتورط الولاياتالمتحدة في حروب بين القوى العظمى التي من شأنها أن تزيد من تعريضها لهجوم نووي، يجب أن تسحب الولاياتالمتحدة قواتها العسكرية من أوروبا وإفريقيا وآسيا، بما في ذلك الشرق الأوسط. كما أنها ستمتنع عن غزو واحتلال بلدان أخرى أو الانخراط في مساع لبناء الدول. ومن شأن تقليص الوجود العسكري الأميركي في الخارج أن يزيد من تقويض الدعم للإرهاب المناهض للولايات المتحدة، والأهم من ذلك، من شأنه أن يقلل إلى حد كبير من الزخم الذي يدفع روسياوالصين إلى التحالف مع بعضهما البعض لتحقيق التوازن ضد الولاياتالمتحدة. وكجزء من هذه الاستراتيجية، سوف تتخلى أميركا أخيرا عن حربها العالمية الفاشلة على الإرهاب، والتي أهدرت تريليونات الدولارات في خوض حروب عقيمة، وفقا لباين. وبدلا من ذلك، وبعد عقدين من التشتت الذي تفوقت فيه روسياوالصين على قدرات الولاياتالمتحدة في كل مجال رئيس تقريبا من مجالات التكنولوجيا العسكرية الاستراتيجية، ستسعى الولاياتالمتحدة أخيرا إلى تحديث وإعادة بناء ترسانتها النووية الاستراتيجية وقدراتها الدفاعية الاستراتيجية. ويقول باين إنه ينبغي على القادة الأمريكيين أن يبلغوا موسكو وبكين بشكل عاجل على الفور بأن بلادهم لن تتدخل عسكريا في أي حروب محتملة حول تايوان أو الجمهوريات السوفيتية السابقة، والتخلي بشكل أساسي عن التدخلات العسكرية الأميركية المستقبلية في مناطق نفوذهما. ومن شأن مثل هذه الإجراءات أن تعزز الأمن القومي الأميركي وتقلل إلى حد كبير من فرص وقوع هجوم من قبل روسياوالصين على أميركا من خلال الحد من التهديد المتصور لموسكو وبكين.