أثار التقرير السري الذي كشفه البنتاجون عن الوضع النووي، الذي تم تسريبه الأسبوع الماضي، ردود فعل سريعة من بعض المحللين، والذين قالوا إن إدارة الرئيس بوش قد قللت من سقف استخدام الأسلحة النووية، كما أظهرت كذلك ردود فعل مماثلة من البيت الأبيض والذي قال إنه في الواقع قد قلل من اعتماد الولاياتالمتحدة على الأسلحة النووية، وكلاهما على خطأ؛ لأن تقرير الإدارة الأمريكية لم يضف شيئا جديدا تقريبا، بل أكد على أهمية السلاح النووي بالنسبة للسياسة الأمنية للولايات المتحدة، وهذا هو لب المشكلة. فقد ذكر التقرير سبعة دول: الصين، روسيا، إيران، العراق، ليبيا، كوريا الشمالية، وسوريا؛ وهي الدول التي ذكر التقرير أن الولاياتالمتحدة يجب أن تستعد لاحتمالات استخدام السلاح النووي ضدها. وقد دعا التقرير الولاياتالمتحدة إلى مراقبة أهداف محددة في هذه الدول، بل حدد عدة سيناريوهات والتي يصبح استخدام السلاح النووي فيها ضروريا، كاحتمالية غزو كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية. ولقد استشهد النقاد بهذا الجزء من التقرير كدليل على أن إدارة بوش قد توسعت في سرد الظروف التي يمكن أن تستخدم فيها السلاح النووي، ولكن الحقيقة أن الولاياتالمتحدة قد استعدت منذ زمن بعيد لأنواع متعددة من السيناريوهات المحتملة والتي يمكن أن يلعب فيها السلاح النووي دورا حاسما، وذلك لكي لا تقف الولاياتالمتحدة عاجزة في خضم أزمة ما بدون وجود خيارات بديلة، وقد كان التقرير السابق عن عرض الحالة النووية الصادر في عام 1994 يخاطب الدول الشيوعية، ولم يكن ذلك مدهشاً ولا مزعجاً لنا أن يخاطب تلك الدول. ولم يكن مفاجئاً أيضاً أن يتم إدراج دول غير نووية مثل ليبيا وسوريا في هذا التقرير، وبالرغم من أن الولاياتالمتحدة قد تعهدت بعدم استخدام السلاح النووي ضد دولة لا تمتلكه، فقد قيدت هذا التعهد بقولها إنه ربما لا يشمل ذلك الاستثناء الدول التي تهاجم الولاياتالمتحدة بأسلحة كيميائية أو بيولوجية، وكل الدول غير النووية المدرجة في هذا التقرير يعتقد أنها تحاول الحصول على مثل تلك الأسلحة، وباختصار، وبالرغم من النقد الحاد من المحليين، فإن إدارة الرئيس بوش لم تقلل من سقف استخدامها للأسلحة النووية. ولكن زعم الإدارة الأمريكية بأنها قد قللت من المخاطر النووية وذلك بقيامها بعمل تعويذة «توازن الرعب» والتي كانت تعد رمزا لعلاقات الحرب الباردة مع روسيا قد خانه التوفيق؛ والدليل هو الأرقام المرفقة في التقرير، والتي تدعو إلى الإبقاء على نشر عدد من صواريخ ما بين 1700 إلى2200 من أصل 6000 رأس نووي من الأسلحة الاستراتيجية الموجودة حالياً. ففي الوقت الذي يظهر لنا التقرير أن هذا الخفض كبير للغاية، فإن كلاً من كلينتون ويلتسين كانا قد وافقا على إجراء نفس التقليل في عام 1997م، وأن الخفض الذي سوف تقوم به إدارة بوش سوف يجري بصورة أبطأ عما كان من المفترض أن تقوم به اتفاقية ستارت 2 إذا ما تم تفعيلها. بل الأسوأ من ذلك أنه بدلا من إبطال مفعول الأسلحة التي يتم تسريحها من الخدمة، فإن بوش يخطط أن يبقي بضعة آلاف في الاحتياطي وهذا من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة أن تنشر ما يقرب من 2400 رأس نووي في أقل من ثلاث سنوت، أما ما هو أهم من ذلك فهو ما تشير إليه هذه الأرقام بشأن سياسة الولاياتالمتحدة النووية. ونظرا للقدرة التدميرية العالية للأسلحة النووية، فإن الولاياتالمتحدة تحتاج فقط إلى بضع مئات لكي تصد هجوما نوويا؛ فالحمولة الكاملة لغواصة واحدة من طراز ترايدينت على سبيل المثال والتي تصل إلى 192 رأسا نوويا يمكنها أن تقتل 50 مليون شخص إذا ما وجهت على المدن الروسية. والولاياتالمتحدة تحتاج إلى ما بين 1700 إلى 2200 رأس فقط إذا ما كانت تخطط لشن حرب نووية على روسيا لكي تدمر كامل ترسانتها النووية على الأرض، وهذا كان أحد العروض الذي صمم إبان الحرب الباردة للدفاع ضد أي غزو روسي لأوروبا أو هجوم نووي مفاجئ. وهذا العرض لايعد مناسبا لعالم اليوم لأن روسيا لم تعد عدوا لنا، فالأهداف الوحيدة التي يمكن أن تتطلب عدد الصواريخ الذي ذكره التقرير وهو من 1700 إلى 2200 رأس نووي هي فقط الترسانة النووية الروسية كاملة، والتي يعتقد أنها تصل إلى 1500 رأس نووي، ولا يوجد هناك حالات عسكرية طارئة حتى في حالة افتراض حدوث صراع مع الصين تحتاج إلى أكثر من بضع مئات من الرؤوس النووية. وبعبارة أخرى، إن العرض النووي الأمريكي «الجديد» لا يزال يعتمد على احتمالية خوض حرب نووية مع روسيا. وهذه هي المشكلة الحقيقية في عرض الحالة النووية الجديد: انه يؤكد على أن حالة الحرب الباردة النووية مع روسيا لا تزال سارية، فدعوة التقرير إلى حشد احتياطي نووي كبير، ورؤوس نووية لها قدرة على اختراق الأرض، وبإحيائه البنية التحتية النووية الأمريكية، فإن إدارة الرئيس بوش تؤكد على اعتمادها على السلاح النووي لأجل غير مسمى. وبعض المحللين يساورهم القلق بأن هذا العرض يعد خطوة نحو سياسة تجيز استخدام السلاح النووي كسلاح مشروع في الحرب، مما يعد خطأ فظيعاً لأنه قد يشجع إلى تزايد المخاطر ضد أمن الولاياتالمتحدة وقد يسبب أضرارا يتعذر تداركها في المستقبل. وقد يكون من الأفضل للولايات المتحدة أن تتبنى عرضا نوويا جديدا تماما، والذي يمكن أن يبقي على الأسلحة النووية فقط لغرض صد هجوم نووي، ومع الوضع في الاعتبار القوة الهائلة لجيش الولاياتالمتحدة التقليدي، فإننا قد لا نحتاج إلى الأسلحة النووية لأي سبب من الأسباب، حتى لصد هجوم كيميائي أو بيولوجي، فالميزات الدبلوماسية لهذا العرض عديدة للغاية، وسوف تمكن الولاياتالمتحدة من توفر التعاون الدولي المطلوب لمنع الإرهابيين والدول الشيوعية من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وهذا بالفعل من أولويات عالم ما بعد الحرب الباردة وعالم ما بعد أحداث 11 سبتمبر.