أجرت "الوسط" تحقيقاً في واشنطن حول تقريرين اعدتهما وزارة الدفاع الاميركية، الاول سري والثاني اصبح علنياً، وقد اثار تسريب معلومات عنهما ضجة في الاوساط السياسية الاميركية وكذلك في عدد من دول العالم بينها دول عربية وشرق اوسطية. التقرير الاول، الذي لم ينشر نصه رسمياً، يدعو صراحة ادارة بوش الى اعادة تركيز وتوجيه الصواريخ النووية الاستراتيجية الاميركية نحو ايرانوالعراق وليبيا والجزائر ودول اخرى من "العالم الثالث"، تمهيداً لاحتمال ضربها بها. التقرير الثاني يقترح اتخاذ الاجراءات المناسبة لكي تبقى الولاياتالمتحدة "القوة العظمى الوحيدة في العالم" وللحيلولة دون بروز دول منافسة لها، فعلاً، في اوروبا وآسيا والاتحاد السوفياتي سابقاً. "الوسط" تنشر في ما يأتي نتائج التحقيق الذي اجرته حول هذين التقريرين المهمين المثيرين للجدل. التقرير الاول مؤلف من 44 صفحة، أعدته "هيئة التخطيط الاستراتيجي المشتركة" في وزارة الدفاع الاميركية، وهي هيئة تضم 21 عضواً معظمهم من الجنرالات ويرئسها توماس ريد الذي كان "وزيراً" للقوات الجوية الاميركية في عهد الرئيس السابق ريغان، ويعتبر "شخصية سياسية ذات اتجاه يميني". واستغرق اعداد هذا التقرير 5 اشهر، بناء على طلب الجنرال لي باتلر قائد القوات الاميركية الاستراتيجية. الهدف من اعداد التقرير، الذي يتضمن "خططاً سرية" للمرحلة المقبلة، هو الاجابة عن السؤال الآتي: ماذا يجب ان تفعل الولاياتالمتحدة باسلحتها النووية الاستراتيجية بعد انتهاء الاتحاد السوفياتي؟ والى اية اهداف يجب ان توجه الصواريخ النووية الاستراتيجية الاميركية في المرحلة المقبلة؟ ويدعو هذا التقرير الى توجيه هذه الصواريخ النووية الى كل "عدو معقول". وربما كان المقصود من هذا التناقض اللفظي توجيه هذه الاسلحة الى "اي دولة يمكن اعتبارها بصورة معقولة عدواً محتملاً في المستقبل". كما يدعو التقرير الى تخفيض عدد الرؤوس النووية الاستراتيجية من حوالي 11 الفاً، الى حوالي 5 آلاف رأس نووي، وهو عدد اكبر بكثير من الف رأس نووية لكل من اميركا وروسيا حسب الاقتراح الذي تقدم به الرئيس الروسي بوريس يلتسين، وكذلك وزير الدفاع الاميركي روبرت ماكنمارا في مقال نشرته مجلة "الشؤون الدولية"، اخيراً. ويرى المراقبون في هذا الاقتراح الوارد في التقرير بتوجيه الاسلحة والصواريخ النووية الى دول لا تشكل تهديداً نووياً في الوقت الحالي، مبرراً للإبقاء على هذا العدد الضخم من الرؤوس النووية الاستراتيجية الاميركية التي لم يعد هناك داع لوجودها، وذلك بعد ان اصبح الاتحاد السوفياتي سابقاً - وهو الهدف الحالي للرؤوس النووية الاميركية كلها - مستعداً لتخفيض ترسانته النووية الى الف رأس نووية فقط. ويوصي التقرير بالابقاء على الاتحاد السوفياتي سابقاً هدفاً لتلك الاسلحة، الامر الذي سيدفع رابطة الكومنولث للدول المستقلة الى الاستمرار في توجيه اسلحتها النووية الى الولاياتالمتحدة. الصواريخ نحو الشرق الاوسط ويدعو التقرير ايضاً الى ان تتفوق الترسانة الاستراتيجية الاميركية على اجمالي عدد الرؤوس النووية في الاتحاد السوفياتي سابقاً، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، واسرائيل. ولا يقدم التقرير اي تفسير لسبب احتياج الولاياتالمتحدة الى قوات توازن قوة فرنسا 621 رأساً نووية، وبريطانيا حوالي 003 رأس نووية، على رغم ان الدولتين لديهما التزامات دفاعية مشتركة مع الولاياتالمتحدة في اطار حلف شمال الاطلسي. ولا تستطيع الصواريخ الصينية اكثر من 300، او الاسرائيلية 200 - 300، الوصول الى الولاياتالمتحدة. وينطبق ذلك ايضاً - في رأي المراقبين - على الاسلحة التي يمكن ان تحصل عليها في المستقبل الجزائر، او ليبيا، او ايران، او العراق، او الاسلحة المستقبلية او الموجودة بالفعل لدى الهند او كوريا الشمالية، على رغم ان الصواريخ الموجودة حالياً لدى الصين، والتي ينتظر ان تنتجها كوريا الشمالية في المستقبل، يمكن ان تصل الى آلاسكا. ويوصي التقرير بأن يتم توجيه الصواريخ الاستراتيجية الاميركية النووية الى اية دولة تملك امكانات للحرب النووية، او الكيميائية، او البيولوجية، او تملك اسلحة تقليدية قوية مثل الصواريخ غير النووية قصيرة المدى. وفي هذا الصدد يذكر التقرير بالاسم ايران، والعراق، وليبيا، والجزائر، و"دول اخرى في الشرق الاوسط وجنوب آسيا". ويشير التقرير على وجه الخصوص الى الهند، باعتبارها دولة "يمكن ان تثير القلاقل في منطقتها عن طريق حصولها على التفوق العسكري على باكستان"، وذلك على رغم ان الهند كانت تتمتع دائماً بهذا التفوق العسكري بفضل تفوقها اساساً في عدد السكان. ويوصي التقرير بتشكيل قوة نووية تكتيكية تعتمد على الطائرات والغواصات، لاستخدامها اساساً "ضد الصين" وأيضاً "ضد دول اخرى في العالم وعلى وجه الخصوص في منطقة الشرق الاوسط. وكانت موسكووواشنطن اتفقتا في العام الماضي على التخلي عن الاسلحة النووية التكتيكية والقصيرة المدى. ويقول التقرير انه يجب على الولاياتالمتحدة توجيه اسلحتها النووية الى الصين لردعها عن شن اي هجوم على تايوان، والى بعض دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا لردعها عن غزو اسرائيل. ويقول المراقبون ان ذلك يتناقض بصورة واضحة مع ما يبديه التقرير نفسه من قلق بشأن قدرة اسرائيل "على توجيه الضربة الاولى" الى دول عربية. ومع ذلك ربما يكون التقرير قد وضع في اعتباره ان الصواريخ السوفياتية الموجودة في كازاخستان كانت موجهة منذ بداية السبعينات الى تل ابيب وحيفا وأهداف اسرائيلية اخرى، بهدف توفير "مظلة دفاعية" لسورية. ومن المقرر ان يتم تحريك الصواريخ الموجودة في كازاخستان الى روسيا، ولكن لم يتضح بعد اذا كانت هذه الصواريخ ستوجه الى اي هدف على الاطلاق. والسبب الذي يذكره التقرير لتوجيه الاسلحة النووية الى اليابان وألمانيا هو "ردع" هاتين الدولتين عن تغيير اتجاهما الحالي في عدم انتاج اسلحة نووية. ومع ذلك يشهد التاريخ بأن توجيه الاسلحة النووية الى اي دولة كان يؤدي دائماً الى نتيجة عكسية، فقد تم انتاج الاسلحة النووية السوفياتية رداً على الاسلحة الاميركية، والاسلحة الصينية رداً على اسلحة موسكو، والاسلحة الهندية رداً على الاسلحة الصينية. وكان الرئيس الباكستاني الراحل ذو الفقار علي بوتو صرح بأن بلاده تعمل لانتاج "قنبلة نووية اسلامية" ضد "القنبلة اليهودية" التي انتجتها اسرائيل. وقد جاءت المحاولات العراقيةوالايرانية والليبية ايضا لصنع اسلحة نووية ردا على التهديد الاسرائيلي. القوة النووية لحماية النفط ولا يتعرض التقرير بالذكر للإجراء الذي يجب على الولاياتالمتحدة اتخاذه اذا قررت دولة من الدول غير النووية المستهدفة بناء قوة نووية لمواجهة الاسلحة الاميركية. ويشير منتقدو هذا التقرير في واشنطن ايضاً الى ان بإمكان تلك الدول المستهدفة ان ترد على ذلك بفرض مقاطعة تجارية للولايات المتحدة. وقد دعا ويليام وبستر وويليام كولبي، المديران السابقان لوكالة الاستخبارات المركزية، وكذلك زبغنيو بريجينسكي، مستشار الامن القومي الاميركي السابق الى فرض "رقابة دولية" على الاسلحة النووية الاسرائيلية والصينية. ويقول كولبي ان ما ورد في هذا التقرير عن تحديد اهداف جديدة للأسلحة النووية الاميركية "امر سخيف". ويضيف وبستر ان توجيه الاسلحة النووية الى دول غير نووية، مثل العراق او ليبيا، "امر غير مقبول على الاطلاق"، كما انه يتعارض تماماً مع هدف الردع للأسلحة النووية. وبالنسبة الى العدد الأقصى المقترح من الرؤوس النووية يقول كولبي: "ان خمسة آلاف عدد اكبر من اللازم بكثير، وألف عدد اكثر من اللازم بكثير. انني اتذكر ان الرئيس كارتر سأل اعضاء هيئة الاركان المشتركة: اذا كانت الاسلحة النووية مجرد رادع، فلم نحتاج الى اكثر من مئات عدة منها؟ ان كلا من موسكووواشنطن لا يحتاج الا الى مئات عدة، مع تخفيض عدد الاسلحة النووية لدى الدول الاخرى بنسبة مشابهة". ومن المتوقع ان يعمل معظم الجمهوريات الخمس عشرة السوفياتية السابقة من اجل نزع السلاح النووي عالمياً. ويقول روبرت ماكنمارا وزير الدفاع الاميركي السابق ان التقرير الجديد يكشف عن "تفكير ما زال يعيش في عصر الحرب الباردة". ويعتبر جون ستاينبرونر من معهد بروكينغز ان الهدف من هذا التقرير هو "الحفاظ على الأرباح العالية التي تحققها الصناعات العسكرية"، والحفاظ على العمالة في تلك الصناعات. ويقول التقرير في فقرة اثارت الكثير من الجدل: "يجب على الولاياتالمتحدة ان تحافظ على الاسلحة النووية لحماية… الاقتصاد الاميركي السليم والمتنامي". وسألت "الوسط" احد المسؤولين في وزارة الدفاع الاميركية اذا كان ذلك يعني "الابادة النووية للدول الصناعية المنافسة لأميركا في اوروبا ومنطقة المحيط الهادىء"، فأجاب "ان التقرير يقترح الاحتفاظ بخيار استخدام الاسلحة النووية ضد الدول التي تمنع النفط او المواد الاولية الحيوية الاخرى". يبقى سؤال: هل تبنت ادارة بوش رسمياً هذا التقرير؟ مصدر اميركي رسمي ابلغ "الوسط" ان الرئيس بوش "ينظر بصورة ايجابية" الى هذا التقرير الذي يخضع مضمونه الآن "لدراسة جدية على مستويات عدة" في الادارة الاميركية. التقرير الثاني اما التقرير الثاني فقد اثار جدلاً واسعاً في الاوساط السياسية الاميركية وفي دول اوروبية وآسيوية وشرق اوسطية. وقد اعد التقرير الثاني رؤساء هيئات الاركان الاميركية المشتركة تحت اشراف بول وولفوتز نائب وزير الدفاع الاميركي للشؤون السياسية، ويحمل خاتم "نوفورن" اي لا توكيل اجنبياً حتى للحلفاء. وقالت مصادر رسمية في وزارة الدفاع الاميركية لپ"الوسط" ان من المنتظر ان يصادق ريتشارد تشيني وزير الدفاع الاميركي "قريباً" على مضمون هذا التقرير. ماذا يتضمن هذا التقرير؟ ابرز ما فيه التأكيد ان مهمة المسؤولين الاميركيين في المرحلة المقبلة - بعد انهيار وانتهاء الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية - سياسياً وعسكرياً يجب ان تكون الابقاء على الولاياتالمتحدة "كقوة عظمى وحيدة في العالم" وضمان "عدم بروز اية قوة منافسة لها في العالم الغربي وفي اسيا وفي ما كان يسمى الاتحاد السوفياتي". وجاء في هذا التقرير، الذي يحمل عنوان "ارشادات للدفاع من وزير الدفاع" ان هدف الولاياتالمتحدة يجب ان يكون منع اوروبا من تفكيك حلف شمال الاطلسي والتدخل بمبادرة منها وحدها في الازمات العالمية. وهو يقول: "يجب ثني عزم الدول الصناعية المتقدمة عن تحدي زعامتنا وقيادتنا". وفيما يبدو ان محاولة لتجديد الحرب الباردة يقول التقرير ان على الولاياتالمتحدة ان تعرض ضمانا دفاعيا من جانبها وحدها على "اوروبا الشرقية" ضد اي غزو روسي في المستقبل. ووصف مصدر في وفد الجماعة الاوروبية في واشنطن هذا الموقف بأنه "وقاحة" بينما وصفه ديبلوماسي روسي بأنه "مضحك". ويرى التقرير ان هناك خطراً من "الدول العظمى المحلية" التي يمكن ان تتحدى الهيمنة الاميركية، ويستشهد في هذا الصدد بايرانوالعراق والاتحاد السوفياتي السابق واليابان. لكنه لا يذكر اسرائيل او الصين وهما الترسانتان النوويتان اللتان لا تخضعان للاشراف في العالم. ولعل السبب في ذلك هو ان اسرائيل تعتبر تحت حماية الكونغرس، بينما لا يجوز انتقاد الصين من وجهة نظر البيت الابيض. وربما كان هناك عامل آخر هو ان وولفوتز - وهو ديبلوماسي يهودي محترف - سبق له ان اصدر بيانات مؤيدة للصهيونية. ويوصي التقرير باعداد القوات الاميركية لسيناريوهات الحرب الآتية: غزو عراقي لدولة خليجية، هجوم روسي على لتوانيا او بولونيا، استيلاء كولومبيا على قناة باناما اذ ان باناما كانت في الأصل جزءا من كولومبيا، هجوم كوري شمالي على كوريا الجنوبية. والمعروف ان الولاياتالمتحدة ملزمة بموجب معاهدات دفاعية، بالدفاع عن الفيليبين وكوريا الجنوبية من دون ان تكون ملزمة بالدفاع عن "الاهداف الاخرى". وتدعو خطط الموازنة الحالية الى خفض الانفاق الدفاعي بنسبة 25 في المئة خلال خمسة اعوام اعتباراً من العام الماضي. كما ان مرشحي الرئاسة الديموقراطيين ينادون بخفض النفقات الدفاعية بنسبة خمسين في المئة الآن، مع اجراء المزيد من التخفيضات عام 1996. الا ان التقرير الذي رفعت نسخة منه الى ريتشارد تشيني يدعو الى وجوب الكف عن اجراء اية تخفيضات عام 1994، وإلى الاحتفاظ بالقوات الاميركية عند عددها الحالي وهو 6،1 مليون جندي في القرن المقبل. "العالم لها وحدها" وجاء في التقرير ايضاً: "ان انتهاء الحرب الباردة يقلل من الضغط على اميركا للمشاركة العسكرية في كل صراع اقليمي او محلي محتمل". الا ان التقرير يمضي ليحث واشنطن على الوقوف في وجه جهود الحلفاء لوضع ترتيباتهم الامنية الخاصة بعد ان انتهى الخطر الذي تواجهه بلدانهم. ويقترح ايضا استخدام القوة العسكرية الاميركية "لمعاقبة استخدام الاسلحة الكيماوية والنووية والجرثومية… حتى في الصراعات التي لا تؤثر مباشرة في المصالح الاميركية". ومرة اخرى لا يذكر التقرير شيئاً عن اسرائيل او الصين، وهما اكثر المصادر احتمالاً لشن هجوم نووي على جيرانهما. ويضيف التقرير: "سوف نحتفظ بالمسؤولية القصوى للمعالجة الاختيارية لتلك الاخطاء التي لا تهدد مصالحنا فحسب، بل ومصالح حلفائنا وأصدقائنا، او تلك التي تؤدي الى اضطراب في العلاقات الدولية. ويجب استخدام القوات الاميركية لتشجيع انتشار الاشكال الديموقراطية من الحكم والأنظمة الاقتصادية المفتوحة". ويلاحظ المؤرخون ان استخدام القوة لتشجيع "الانظمة الاقتصادية المفتوحة" اي التجارة، كان الأساس الذي اقيمت عليه في الماضي الامبراطوريات الفرنسية والبريطانية والبرتغالية والاسبانية. وذكر التقرير ان على الولاياتالمتحدة بشكل خاص ان تمنع اية دولة اخرى من الهيمنة على "اوروبا الغربية وآسيا الشرقية ومناطق الاتحاد السوفياتي السابق وجنوب غربي آسيا". ويعني الاصطلاح الاخير في قاموس وزارة الدفاع عادة باكستان وأفغانستان. ويوصي التقرير بصورة خاصة بوجوب عمل الولاياتالمتحدة على "كبح جماح اطماع الهيمنة الهندية على الدول الاخرى في جنوب آسيا والمحيط الهندي". وقد علق ناطق باسم السفارة الهندية في واشنطن على هذه الفقرة فقال ان وزير الخارجية الهندي وصفها بأنها "تثير السخط". ويدعو التقرير وزير الدفاع الى اصدار اوامره الى القوات الاميركية المختلفة، اي الجيش والأسطول والطيران ومشاة البحر، الى تأمين ما يكفي من الصواريخ والقنابل وذخيرة المدفعية لتدمير "80 في المئة من الاهداف المتوقعة في اصعب صراعين اقليميين تبعا للسيناريوهات السابقة". الا انه لا يحدد هذين الصراعين بالاسم. ووصف السيناتور جوزيف بيدن، احد كبار اعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، رئيس اللجنة الفرعية للشؤون الاوروبية، هذا التقرير بأنه "ليس عملياً". وأضاف بيدن: "انه دعوة حرفية الى الهيمنة الاميركية وعودة الى نظرة انكلترا في العهد الفيكتوري". اما السيناتور روبرت بيرد وهو ثاني اهم اعضاء الكونغرس من الحزب الديموقراطي فقد وصف التقرير بأنه "قصير النظر، وعلى الذين اعدّوه ان يبدأوا من جديد". وأعرب الديبلوماسيون الغربيون بشكل خاص عن استيائهم من الجوانب الاستفزازية في التقرير. اذ قالوا ان سيناريو الدفاع عن لتوانيا من دون لاتفيا او إستونيا وبولونيا من دون رومانيا او بلغاريا او غيرهما سيؤدي على الارجح الى تعزيز وجهات نظر الجنرالات السوفيات السابقين المتذمرين والذين يحاولون الحفاظ على اكبر قدر ممكن من شبكة الدفاع السوفياتية القديمة. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن هارولد براون وزير الدفاع في عهد الرئيس السابق جيمي كارتر، قوله ان التقرير "يستفز القومية الروسية". وقد اتصل احد صحفيّي "واشنطن بوست" بالرئيس بوش وقال انه ابلغه "تأييده لاتجاه التقرير العام". ورفض سفير عربي التعليق على التقرير الى ان يوافق الرئيس بوش عليه لكنه اضاف: "على الاقل في مؤتمر برلين عام 1984 لبحث قضايا القارة الافريقية، قسّمت الدول الكبرى القارة. اما الآن فيبدو ان اميركا تريد استخدام ديبلوماسية الصواريخ ليظل العالم لها وحدها". وتجيء هذه الضجة حول التقرير في وقت سيء. ففي الاجتماع الاخير لوزراء خارجية دول حلف شمال الاطلسي مع وزراء خارجية الدول التي كانت اعضاء في حلف وارسو السابق في بروكسيل تحت مظلة "مجلس تعاون شمال الاطلسي". عكست معظم الخطابات وجهة النظر الفرنسية التي دعت فيها اوروبا الى تحمل مسؤولية حماية السلام فيها بأقل قدر من المساعدة من اميركا وكندا التي ستسحب جميع قواتها في حلف الاطلسي من اوروبا هذا العام. ويلاحظ المراقبون ان اسم "شمال الاطلسي" ربما يثير استياء روسيا وأنه ربما قصد منه استبعاد اليابان لأنها في المحيط الهادىء. وتريد فرنسا من دول الجماعة الاوروبية الاثنتي عشرة او من دول الاتحاد الاوروبي الغربي التسع ان تتولى بنفسها مسؤولية الدفاع عن اوروبا الغربية. ويتعارض تقرير وولفوتز مع تقرير آخر صدر اخيراً عن ديوان المحاسبة العام الذي يشرف عليه الكونغرس. اذ انه اوصى بالغاء مبادرة الدفاع الاستراتيجية التي تعتبر حجر الأساس في سياسة اميركا لتكون "حارس العالم" او "شرطي العالم". ويقول تقرير لجون كونيارز عضو الكونغرس الأسود، رئيس لجنة العمليات الحكومية: "ان النظام الذي وضع في عهد ريغان لمواجهة الصواريخ السوفياتية سيكلف حوالي مئة مليار بليون دولار بدلاً من 2،48 مليار دولار، مثلما تذكر وزارة الدفاع". ويقول جون كونيارز: "ان برنامج حرب النجوم بدأ يتخبط، وليس لدى المسؤولين عنه اية فكرة عما سيقودهم اليه البرنامج، كما انهم في حالة من البلبلة وهم غارقون في دراسات عديمة الجدوى".