اثر المصادقة على معاهدة «ستارت»، يواصل باراك أوباما، الرئيس الأميركي، سعيه إلى تقليص حجم الأسلحة النووية مدعوماً من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. وترمي معاهدة جديدة مزمع عقدها إلى تحديد حجم مختلف أنواع الأسلحة النووية بنحو 2500 وحدة نووية لكل من أميركا وروسيا. وتقليص حجم الأسلحة النووية التكتيكية يصب في مصلحة الولاياتالمتحدة، وهي تنشر 500 وحدة منها على أراضيها و200 وحدة في أوروبا، بينما يبلغ عدد الأسلحة هذه في الترسانة الروسية ثلاثة آلاف وثمانمئة وحدة. وترغب واشنطن في انضمام الهند وباكستان وكوريا الشمالية، والصين في وقت لاحق، إلى المعاهدة لتطويق الدول هذه. وترى أميركا أن السلاح النووي التكتيكي الروسي يتهدد دول ال «ناتو». وتسعى في بناء الدرع الصاروخية الشاملة، والدرع الصاروخية الأميركية هي ركنه، وفي ضم درع ال»ناتو» إليها، وفي مشاركة روسيا في المشروع. وتعترض موسكو على خطة أوباما الجديدة، وتطالب أميركا أولاً بسحب سلاحها النووي التكتيكي من أوروبا ومن غير شروط مسبقة. فموسكو ترفض النزول عن تفوقها في هذا المجال. والتفوق هذا يعوض تخلفها عن اللحاق بركب ال «ناتو « في مجال التسلح العادي بأوروبا. وروسيا تربط سحب سلاحها التكتيكي من بعض أراضيها الأوروبية بمبادرة حلف ال «ناتو» إلى خطوة مماثلة. وترى أن الاقتراح الأميركي بنقل الأسلحة هذه إلى الأورال لا يتلاءم مع مصالحها، ويفقدها القدرة على إصابة أهداف على الأراضي الأميركية. ومرد رفض روسيا خطة أوباما إلى يقينها أن الولاياتالمتحدة تتفوق عليها في ميادين التسلح المختلفة. وهذا يضعف كثيراً قدراتها العسكرية. وأغلب الظن أن تواجه موسكو والصين ضغوطاً أميركية قوية لحملهما على تقليص حجم السلاح النووي، والسلاح التكتيكي على وجه التحديد. ولكن روسيا ترى أن مثل الضغوط هذه هي قرينة على سعي أميركا في التفوق العسكري عليها. وتؤدي المساعي هذه إلى تجميد عملية «تحسين العلاقات» بين روسياوالولاياتالمتحدة، وتثبت صحة ما يقال أنهما عدوان لدودان. وينظر محافظو النخبة العسكرية والسياسية الروسية بعين القلق إلى خطة واشنطن الرامية إلى نشر نظام الدرع الصاروخية في أوروبا للتصدي للصواريخ الاستراتيجية الباليستية عابرة القارات، وهذه ركن القوى الاستراتيجية النووية الروسية. ويبلغ عدد الصواريخ من طراز «س م -3 «، وهي نواة الدرع الصاروخية الأميركية، 420 صاروخاً. والصواريخ هذه هي تحد سياسي لروسيا وخطر يتهددها عسكرياً ويقوض قدراتها الرادعة، إذا لم تشرع أبواب المشاركة في الدرع أمامها وإذا نشرت على مقربة من حدودها. ويسهم بحث روسيا عن وسائل مناسبة لمواجهة التحدي هذا في اندلاع سباق تسلح في أوروبا. وأبرز الاعتراضات الروسية على الدرع الصاروخية الأوروبية تتناول غموض قدراتها الكمية والنوعية، وتوزعها الجغرافي، والمخاطر التي تستدعي إنشاءها، وطبيعة الدور الروسي في الدرع. وموسكو متمسكة بدور متكافئ وفاعل في الدرع الشاملة، وترفض أن يعهد إليها دور تابع. واحتمال التفاهم مع أميركا في هذه المسألة ضعيف. وروسيا على يقين أن الإصلاحات العسكرية تسهم في إنشاء جيش حديث قادر على مواجهة التحديات والمخاطر المحتملة. ولا شك في أن سياسة باراك أوباما الساعية في تقليص السلاح النووي الاستراتيجي ومنع التجارب النووية ستصطدم بمقاومة قسم من النخب الأميركية التي ترى في القوة النووية الاستراتيجية أداه بارزة للردع الاستراتيجي وضمان الأمن العسكري. وتخشى النخب هذه تضاؤل وزن الولاياتالمتحدة في التسلح غير النووي، في وقت ترتفع موازنات النفقات العسكرية في «مراكز القوة الجديدة «، وتقلص النفقات العسكرية الأميركية جراء عجز موازنة الدولة وتنامي دينها العام. وتجاوز العثرات ممكن، إذا تخلت روسيا وأميركا عن منطق تحقيق التكافؤ والتوازن النوويين الموروث من الحرب الباردة. وتنامي التناقضات هذه يهدد بانهيار عملية «تحسين العلاقات»، ويعظم احتمال زيادة الإنفاق على تقوية وتحديث ترسانة روسيا النووية من دون مسوغ حقيقي. * باحث في الشؤون الاستراتيجية، عن «روسيا غلوبالنوي بوليتيكي» الروسية، 20/12/2010، إعداد علي ماجد