في سنوات مضت كانت أمسيات وندوات الأندية الأدبية وبقية المؤسسات الثقافية، حدثاً لا ينسى، لدرجة أنك تصاب بالدهشة لكثرة من يغشاها من المثقفين والأدباء والصحفيين والمهتمين، أما اليوم فقد أصبح العزوف عن حضورها سمة بارزة لكثير من الفعاليات الثقافية، ولطالما ترددت الأسئلة عن أسباب هذا العزوف هل هي مشكلة تحتاج حلاً؟ أم أنها ظاهرة فرضت نفسها على المشهد الثقافي، يُجمع المشاركون في هذا الملف أن هناك عزوفاً عاماً لا يخص المملكة وحدها ولا هو متعلق بالفعاليات الثقافية بل هو في كل مكان، معتبرين معايير الأندية الأدبية التقليدية مثل عمر المشارك ونوعية مشاركته وميوله الأدبية والفكرية ساهمت بلا شك في ذلك، ويؤكد المشاركون أن الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون تأخرت كثيراً في مواكبتها لتطلعات الشباب ولم تستفد بالشكل المطلوب من مواقع التواصل الاجتماعي من حيث التواصل مع الاخرين وتسويق نفسها وأنشطتها الثقافية، بالإضافة إلى أن تلك الفعاليات نخبوية بطبيعتها فهي بعيدة عن اهتمامات الجماهير بمعناها الواسع.مجموعات زاحمت المنبر الثقافي يقول الدكتور إبراهيم التركي نائب رئيس نادي أدبي القصيم: العزوف عن حضور فعاليات الأندية الأدبية يجب أن يفهم في ضوء الوضع العام الذي تعيشه الفعاليات المنبرية هذه الأيام، فهناك عزوف عام ليس في السعودية وحدها ولا للفعاليات الثقافية والأدبية وحدها، وإنما للنشاط المنبري في كل مكان. مرجعاً سبب ذلك إلى وجود مجموعة من الوسائل التي زاحمت المنبر وحلت محله، وأهم هذه الأشياء هي القنوات الفضائية التي تستضيف الصفوة والنخبة وتحاورهم في دقائق أعمالهم ونتاجاتهم، في حين أن معظم ضيوف الأندية الأدبية من مثقفي الصف الثاني أو الثالث. أضف إلى ذلك الهامش الواسع الذي يتحرك فيه المثقفون في القنوات بحيث يمكنهم أن يقولوا الكثير مما لا تسمح به السياسة الثقافية المنضبطة التي تفرضها الأندية الأدبية والجهات الرسمية المشرفة على نشاطاتها. وإذا نظرنا من جانب آخر يقول التركي نجد أن الإعلام الجديد الذي يمثله اليوتيوب والتويتر أتاح للناس فرصة التواصل المباشر مع المثقفين والأدباء بحيث صار هذا يغني كثيراً عن الزحف إلى صالات المحاضرات لسماع أو لقاء هؤلاء المثقفين. معتبراً هذا التحول الكبير في وسائل الوصول والتواصل مع الأدب والثقافة زاحم المنبر الثقافي إن لم يكن قد أخذ مكانه بشكل شبه كامل. كاشفاً عن انتهاء زمن الذهاب لحضور فعالية ثقافية منبرية، وهو ما يظهر في كل الفعاليات المنبرية تقريبا، قائلا يمكن إلقاء نظرة على الفعاليات المنبرية في كل العواصم العربية، خصوصا تلك العواصم التي تفوقنا علما وثقافة وعدداً. مرجحا الحل في البحث عن مسارات يمكن فيها إيصال الثقافة إلى المستفيد بدلا من انتظار وصوله. والطريق الأيسر هو ركوب موجة الإعلام الجديد، وذلك بتقديم الفعاليات الثقافية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الانترنت. مستشهداً بتجربة نادي القصيم الأدبي عبر المحاضرات التي يسجلها النادي ويبثها على اليوتيوب، حيث بلغ عدد مشاهدات بعضها قرابة عشرين ألف مشاهدة. وهو ما يكشف عدم وجود عزوف عن الثقافة بقدر ما هو تغير في عقلية الناس التي لم تعد تذهب بنفسها كما كانوا يفعلون من قبل، وإنما هم ينتظرون من الأشياء أن تأتي إليهم وهم في بيوتهم وعلى سررهم. وهذا هو التحدي الذي يفترض أن تراهن عليه المؤسسات الثقافية. ما أسباب العزوف الجماهيري عن الأمسيات والندوات الثقافية؟ نخبوية الخطاب والشريحة المستهدفة من جهته يبين الدكتور عبدالله السلمي رئيس النادي الادبي بجدة قائلاً من الخطأ بمكان أن نحدث قدراً من المقاربات بين فعالية يشهدها أناس وفعالية يقل العدد، وفيما يتعلق بفعاليات الأندية الأدبية والأمسيات الثقافية فيها، يرى السلمي أن القضية ليست في الدعاية والتسويق للبضاعة إنما هناك صوارف هي السبب الرئيس، ولأن المعلومة أصبحت جاهزة ناهيك عن مشاغل الانسان وتباعد المسافات وازدحام الطرق، كما يضيف السلمي أن المؤسسات الثقافية والأندية الأدبية بخاصة بطبيعتها منذ أن أسست وهي نخبوية أو تغلب عليها الطابع النخبوي في الاساس على مستوى الخطاب الذي تقدمه وعلى مستوى الضيف المشارك وهذا هو الأصل فيها منذ سنوات طويلة، موضحاً أن المؤسسات الثقافية والأندية الأدبية بدأت الآن تدرك هذا الجانب وانها لابد أن تغير وجهها أو جزء من برامجها لتعود مرة اخرى إلى الحضور الفاعل وأن تبني جسورها مع المجتمع، ملقيا الضوء على تجربة نادي جدة الأدبي في عقد شراكات مع عدد من القطاعات ومراكز الاحياء وهي برامج شبابية ومسابقات عبر موقع النادي ايضا من خلال الاصدارات وطباعة الكتب وتقديم استشارات ثقافية علاوة على تبني الرسائل العلمية ذات القيمة وصولاً إلى ترجمة الادب العربي او الادب السعودي إلى لغات اخرى كاللغة الاسبانية واصبح الادب السعودي متداولاً في امريكا الجنوبية واسبانيا وفق السلمي، معتبرا هذه الانشطة جزء من اعمال النادي قائلا إن النظر إلى النادي الادبي على انه مجرد محاضرة او ندوة وكم عدد الذين يحضرون وما الذي يقدم المحاضرة انما هي نظرة جزئية بسيطة من جزئيات العمل الثقافي الذي تتطلع به المؤسسات الثقافية والأندية الأدبية ضعف الإيمان بأهمية الثقافة آل ظافر: من لا يؤمن بأهمية الثقافة والأدب لن يحضر ترى الأديبة زهرة آل ظافر عضو لجنة إبداع بنادي أبها الادبي ان ضعف حضور الامسيات والندوات الثقافية يشمل المملكة وليس الأندية الأدبية فقط حيث عددت اسباب لذلك من ابرزها -من وجهة نظرها- ضعف الإيمان بأهمية الثقافة والأدب؛ فلا يمكن أن تجد حضورًا كبيرًا لدى من لا يؤمن بأهمية وقيمة الثقافة والأدب. أضف إلى ذلك ضعف الدعاية والإعلان للمناسبات الثقافية، وتقول ينبغي على الأندية الأدبية، والمؤسسات الثقافية أن تزاحم إعلانات الأرز وثقافة البطون التي استهلكت الشوارع والمراكز التجارية والعامة والخاصة، وألا تستحي من عرض جهودها ومناسباتها جنبًا إلى جنب مع هذه الإعلانات ليتعود الناس على رؤية ذلك، ويقبلون مع الوقت على الحضور والاستفادة والمشاركة. كما تقترح زهرة على الأندية الأدبية تفعيل مراكزها الإعلامية عبر شباب وشابات متطوعين ومتطوعات نشطين، وعدم الاقتصار على عمل أفرادها فقط في هذا الجانب. المظهر عنوان للمحتوى الجبري: يجب أن تكون المؤسسة مكان استجمام روحي وفكري تركز الشاعرة هيفاء الجبري على سبب حيوي قد ساهم بشكل او بآخر على عزوف الحضور للفعاليات والندوات الثقافية في الأندية الأدبية فتقول: فمع التطور الهائل الذي يشهده إنسان اليوم في المرافق العامة من حيث العمران والخدمات المقدمة، لم يعد من السهل على أحدنا أن يتقبل ارتياد الأماكن التي لا تحقق له قدراً من الراحة بدءًا من الشكل العام للمبنى ومستوى التنظيم ثم ما يقدم فيه من أنشطة، ولا يخفى على من زار الأندية الأدبية أو الجمعيات الثقافية مستوى المباني الذي لا يليق بكونها صرحاً ثقافياً حضارياً خاصة ونحن في بلد لديه من الإمكانيات ما يمكن أن يجعل هذا المكان معلما عمرانيا يليق بالثقافة، ولو علل أحدهم بأن المحتوى أهم من الشكليات تقول هيفاء في ذلك قد يجهل القائل أن دور الأندية الأدبية والجمعيات الثقافية يجب أن لا يكون دورا تثقيفيا فحسب بل أن يتخطى ذلك إلى كونه مكان استجمام روحي وفكري، كما أنه بمثابة ملتقى للمثقفين والمثقفات يجري من خلاله التعارف وتبادل الرؤى والتجارب. وحتى وان تجاوزنا الشكليات إلى المحتوى، ترى الشاعرة هيفاء الجبري أن جميع الأنشطة المقدمة لا بد أن يتم اختيار محتواها بعناية، بالإضافة إلى التنويع في المحتويات بما يرضي كافة الاهتمامات حتى تكسب هذا الأنشطة ثقة المهتمين، كذلك على الأندية الاستفادة من مواقع التواصل حيث أصبح لوسائل التواصل الاجتماعي قوة جماهيرية و هذا دافع جيد للاستفادة من مزاياها الإعلانية، وبالنظر إلى حسابات الأندية أو الجمعيات الثقافية في تويتر، فإني أجدها غير نشطة مقارنة بحسابات أخرى لمجموعات أدبية أو ثقافية مستقلة. الثورة التقنية والصالونات الثقافية يجزم الدكتور ناصر البراق رئيس قسم الصحافة والنشر الإلكتروني بجامعة الامام محمد بن سعود والملحق الثقافي السابق أن الأندية الأدبية لم تعد هي الخيار الأفضل للندوات الثقافية والأمسيات الأدبية. لماذا؟ لأنه أصبح هناك بدائل قدمتها الثورة التقنية وانتشار التكنولوجيا فمع ظهور الإنترنت انتشرت المنتديات الثقافية، ومع مرور الوقت ايضا اصبحت وسائل التواصل الاجتماعي فضاء ثقافياً متنوعاً آخر يلتقي فيه المبدعون من كافة المشارب والتوجهات، وسنحت فرص مشاركة الشباب أكثر وأكثر، بل اصبحت فرصة لقاء المشاهير ورواد الفنون الأدبية متاحة بيسر وسهولة.. وفي المقابل مازالت الأندية الأدبية متشبثة بمعاييرها التي تدعيها مثل عمر المشارك ونوعية مشاركته وميوله الأدبي والفكري... الخ، كل هذه المعايير يراها البراق عائقاً يمنع الشباب من المشاركة، وكما نعلم ان المجتمعات والأمم تراهن على شبابها. فالمثقفون كبار السن قد يطرحون طرحاً لا يستهوي الشباب، وبالتالي فالشباب لا ينجذبون إلى الندوات التي يعرف عن محاضريها أنهم تقليديون. معتبرا ان خيار الشباب أصبح الآن ما يطرح في الفضاء الافتراضي أو الشبكة العنكبوتية أو وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح الشباب يلتقون مع بعض، وكل واحد لا يستدعي المشاركة في أي منتدى ثقافي التحرك من البيت، إنما هو جهاز، من كان يمتلك منهم الأجهزة الذكية يستطيع هو أن يشارك وهو في البيت، أو السيارة، أو في المقهى، أو في المكتب أو في المكتبة، أو في عمله، أو أي كان هو يتفاعل مع الآخرين، يستطيع أن يشارك بما لديه من منتوج ثقافي، ومن هنا يستطيع أن يسوق لنفسه، ويستطيع أن يبني له اسماً ثقافياً جديداً، ويستطيع أيضا أن يكون أحد المشاركين أو المساهمين. مضيفاً ان الأندية الأدبية تأخرت في عدم مواكبتها لتطلعات الشباب. كما ان الموضوعات التي تدار في الأندية الأدبية موضوعات تقليدية، المشاركون تقليديون، ولم تستفد الأندية الأدبية للأمانة من وسائل التواصل الاجتماعي، من حيث التواصل مع الآخرين، أو من حيث التسويق لنفسها أو لأنشطتها الثقافية. أيضاً العناوين التي تختارها عناوين أستطيع أن اقول أنها عناوين طاردة، وليست جاذبة والأشخاص الذين يحاضرون ليسوا من يستهوون الشباب ويجذبونهم. ومن الاسباب التي يعتبرها البراق ساهمت في أن الأندية وندواتها لم تعد هي الخيار الأفضل الصالونات الثقافية فهو يقول بذلك لم تعد تستطيع الأندية الأدبية أن تقف أو تصمد أمام الصالونات الثقافية، أو الصالونات الأدبية التي يقيمها أشخاص في منازلهم، مثل سبتية حمد الجاسر، أوثالوثية فلان، أو خميسية علان، استطاعت هذه الصالونات الثقافية التي يقيمها بعض الناس المهتمين بالشأن الثقافي في منازلهم، -مع تحفظي عليها- اصبحت تنافس وتكتسح الأندية الأدبية في مرات عديدة بمعنى أن الأندية الأدبية لم تصمد أمام هذه الصالونات أو تستطيع أن تنافسها. الأندية الأدبية تحتاج إلى هيكلة جديدة، وإلى دماء شابة، وتحتاج إلى مواكبة العصر، وهذا لن يحصل إلا بالاستعانة بالشباب. أحد الملتقيات بأدبي الرياض من ندوات معرض الكتاب من فعاليات أدبي الشرقية د. إبراهيم التركي التركي: سياسة الأندية الثقافية ساهمت في قلة الحضور د. عبدالله السلمي السلمي: مد جسور التواصل مع المجتمع هو الحل د. ناصر البراق البراق: الثورة الرقمية قضت على الفعاليات المنبرية