نحن والآخر: رؤية وطنية مشتركة للتعامل مع الثقافات العالمية). محور وإن بدا من خلال مكرورية عنوانه لقاءً تعارفياً وحسب، إلا أنه انفتح واندفع إلى مسارات استهلكت جانباً تأويلياً فضفاضاً جاهد القائمون على جلسات الحوار في كبحه إذ إن الميدان الفسيح يغري بالمناكفة وتصفية الحسابات. الشيخ صالح الحصين طرح الجغرافيا السعودية محدداً تعريفياً ل(نحن). والآخر هو من لا يحمل الجواز الأخضر. هذا التحديد كان مفاجئاً إذ إنه ينطوي على تبسيط قابل للاستبدال مصاغ في تركيب حداثي لا أجد من الضرورة افتعاله، وعلى هذا النحو من الصعوبة إنما طرحه في ثنائيته التلقائية (السعوديات والآخر) وكتاب (السعوديون والإرهاب) مثال على بساطة تحرير هذه العلاقة جدواه في تجلية الآخر الذي بات شبه مغيب داخل هذا التركيب. وأي ضير سيلحق بالذوق النقاشي والأكاديمي والبحثي لو تم الاستبدال أم أن مفردات الحداثة (نحن) و(الآخر) و(الأنا) أكثر تساوقاً مع فقاعة اللغة العولمية. أنا لست خصماً لها بل نصير لهذه اللغة وإن نقدتها في هذا الموضع. إن كلمة (السعوديون) ستكون أكثر مقبولية لدى الآخر المحتقن ضدي وضد نعتي المتعالية فضلاً عن أن (السعوديون) ذات عنوان توجيهي يمثل الرسالة السعودية للآخر في أعلى درجات الشفافية. كسر الرتابة عمدت استراتيجية الحوار إلى استبدال أوراق العمل بمداخلات بواقع ثلاث دقائق وكان هذا - ولا شك - دافعاً عن الملل والرتابة مثرياً للحوار وتبادل الآراء، لكن التفلت من المحور كان شبه جلي لغياب أوراق العمل التي تؤطر وتفجر طاقة الاختلاف. فإذا كان حضورها عبئاً على حس المتلقي فغيابها غيب الالتزام بالمحور. فالأجدى إعداد أوراق عمل - دون أن تقرأ - وتوزيعها على المشاركين لتكون هي نواة البحث والاختلاف. الإعلام والتعددية الكاتبة فاطمة الغشام في مداخلة متفوقة حملت على التلفزيون ووصفته بأنه يشوه صورتنا إذ يساوي في مسلسلاته الإصلاحية - جدلاً - بين المعتدل والمتطرف. وهذا - في رأيي - أخطر ما يؤثر في علاقتنا بالآخر وبأنفسنا بل ما يهدد جمالية الثنائية داخل البيت السعودي وأدبياتنا الوطنية في تماسها مع المختلف وهو على عمومه ينسحب على كثير من قنوات الاتصال المقروءة والمرئية. والطعن في جماليات المجتمع السعودي حاضر في كتاب بعض الأعمدة المهاجرة وأخص بدرية البشر وحسين شبكشي اللذين لا تكاد تلحظ في كتاباتهما إلا ما يصور هذه المجتمع السعودي المتناغم والمسالم على أنه متحفز للانقضاض على المخالف، أما عبارات الثناء فإنها تطيش بعيداً عن كل ما يمكن أن يكشف الصورة الإيجابية والجانب المشرف ويعمدان إلى إغفال الجوانب الإنسانية الاجتماعية والاخلاقية التي يتمتع بها مجتمعنا لأن فيه ثناء مباشراً أوغير مباشر على الخطاب الديني والتعليمي إذ هو نسف لمشروعهما. وقد ألمح الشيخ فالح الصغير إلى ذلك حيث قال إننا ضخمنا سلبيتنا الاجتماعية وأهملنا الإيجابي. الإشكالية أن المسؤولين الإعلاميين لم يتنبهوا لهذا الخلط الذي يصب في نهاية الأمر ممن يتربصون بنا الدوائر والذي حضر ندوات الحوار يلحظ هذا في البشر وشبكشي وما يضمرانه من كراهية في حين أنهما يناديان بتجاوز مفردات الكراهية. شبكشي والمداخلات النووية حسين شبكشي كان ذا ثقل في الصف الليبرالي والتغييري وكانت أوراقه لاهبة وموجهة للخطاب السلفي وأنه يعمد إلى مفردات التكفير، وذكر بعض الأمثلة المجانية لنقدهم عقائد عقائد آخرين وكأنه يستخلصها من كتبهم كما تستخلص الإبرة من كثيب الرمل العملاق. بدا حسين في غاية التشنج وكأنه يتمنطق أحزمة ناسفة ومع هذا ربطت جأشي والتقيته في ردهة الاستراحة وانتقدته على غلوائه ضد السلفية مذكراً إياه أن محمد بن عبدالوهاب يتعرض للتكفير في كتب كثيرة تذكر أنه يشتم رسول الله وأنه متزوج من تسع نساء. طلبت من شبكشي أن يسجل موقفاً يتعاطف فيه ضد هذا الكذب والتطرف فسألني عن مصادر الكتب فأجبته أنها خارجية فرد علي أنه في عمود في الشرق الأوسط معني بالشأن السعودي وليس الخارجي. والمفاجأة انه ومن غده كتب مقالاً عن النائب اللبناني الراحل جبران تويني (وداعاً جبران) وعلاقته بعائلة تويني الحميمية. ولا أعي حتى الآن أي علاقة لجبران تويني بالمشهد السعودي؟؟ أرغب للزميل حسين أن يحدد في خطابه الذي بات يمثل جملاً فقدت دلالاتها التأثيرية لمكروريتها وتحولت إلى نحوية وصرفية لا تدغدغ إلا مشاعر الكهول. الزميل حسين لا يتوغل في النص في مداخلاته وأعمدته بل يثير الضباب حول حدود النص ثم ينصرف على عجل إلى موقعه في المعسكر وكأن لديه مشكلة مع النص، حيث أشار إلى أنه ثمة إشكالية في التراث وليس التعليم فقط. الزميل حسين وهو الذي يحذر من التجرؤ على الفتوى - صدع بالفتوى الجهنمية، حيث قال ان من لا يمتثل لبلاغ منه خارج على ولي الأمر وأحسب ان هذه الفتوى المتثائبة لا تصدر إلا ممن لم يأخذ كفايته من النوم. هذه الفتوى التي قد تستغرق ليلة تأملية كاملة عند الأئمة الأربعة ركلها شبكشي (على الطاير) مجرئاً من بعده على هذا الاختراق وهي على جهنميتها وتثاؤبها واصطيادها في الماء العكر قد استثمرت بمهارة تقنيات الزرقاوي بل إني أجزم أن شبكشي لم يعد له الحق في تحذير شبابنا من السفر إلى العراق. إن على شبكشي أن يتخلص من هذه العقدة السمينة (ضد السلفية) ويرتب وعيه حتى يستطيع أن ينجز شيئاً مفيداً لوطنه العظيم. لقاء التكنوقراط ضم اللقاء شتى الأطياف الاجتماعية الناشطة من تقليديين اكتفوا بالخطب وعلماء كانوا في وضع دفاعي ناجح وليبراليين تبادلوا الوعظ الاصلاحي فيما بينهم وتكنوقراط اعتمدوا الرصد العلمي الرصين. التكنوقراط غائبون إعلامياً هذا ما جعل في مداخلاتهم عمق أكاديمي وطابع مؤسساتي خرج عن نمطية التنظير وكانوا أكثر مباشرة في معالجة المحور ولذا فبوسعنا أن نسمي اللقاء الخامس ب(لقاء التكنوقراط). التكنوقراط نأوا بأنفسهم عن المواجهات التي احتدمت بين الفرقاء واشتغلوا بتوصيات لتفعيل الجانب التنفيذي للعلاقة مع الآخر كما هو الشأن في مداخلات الاستاذ فارس الغنام. وعزوا تركيز أوراق المشاركين التكنوقراط إلى انصرافهم عن المشاركة الاعلامية الى البحثية الذي جعل منهم رأياً طازجاً غير مستهلك يطرح نفسه للنور ويتبوأ حيزاً في التوصيات النهائية. التعالي السعودي يوصي الأستاذ الجليل عبدالعزيز كامل بألا نتكبر على الآخرين وهي من أجمل الوصايا الإنسانية التي تستحق ان تدرج في درسنا الاجتماعي وجدلنا العلمي والمدرسي. لكن السؤال الأهم: هل نحن متعالون على الآخرين؟؟ يقع الخلط والتداخل الفض بين الكبرياء الطبقي والتعالي الديني «ربما لم يقصده الأستاذ عبدالعزيز» وكلاهما مخرج لأنساق ثقافية ضاغطة باتت مع مرور الزمن في حكم الطبيعي، ومعالجتها متعذراً علمياً ووعظياً كما أشار الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا في معرض حديثه عن الأنساب. إن المجتمع السعودي يعيش منذ أكثر من ربع قرن طفرة اقتصادية ودينية متعالقتين نسقياً وشعبوياً قد يفسرهما الراصد تفسيراً مخادعاً فيؤول التعالي الديني اقتصادياً والاقتصادي دينياً بل يتماهيان في اللاوعي ويشكلان وحدة شعورية تبلغ مبلغ العقدة وإن كنت أنفي هذا عن المجتمع السعودي إلا أني لا أحامي عن القلة ممن ابتلوا بهذا الداء. الدكتورة ثريا العريض أشارت هي الأخرى بأن أخلاق الشارع الإسلامي هو الداعية الحقيقي ولعل هذا مؤشر على رفعة خلق الشارع السعودي إذ انه يسجل أعلى معدلات، اعتناق الإسلام وبشكل يومي وألا أظن مجتمعاً فظاً يحقق هذا النجاح الدعوي إلا من صقله إسلام وسطي. جدلية النافع والضار طرح الصوت المحافظ رؤيته بشأن ترجمة الفكر النافع تلقفه صوت يرفض احتكار تحديد النافع وآخر يرفضه شرطاً. هذه الجدلية هي حلقة في سلسلة ممتدة تكشف مدى ما يتمتع به التفاعل الجماعي مع الوافد الثقافي من عنفوان يكسر أيقونة التقليد في الاستجابة للمعطى الحضاري المندفع باتجاهنا وهذا يشاغب قيمة المفردة الوقورة «نافع» التي تستمد رسوخها وطليعيتها ووهجها من كلمة أخرى أكثر رسوخاً وإشعاعاً وهي كلمة «حلال» والتي تتعرض هي الأخرى من قبل البعض إلى الازاحة عن مركزيتها التصنيفية حيث يحل محلها كلمة «جمال» في مرادفة ثنائية لكلمة «قبح» ويحدث عندها انقلاب مزدوج على المعادلة الأولى سيما ان البدائل «الاصلاحية» في تمام جاهزيتها للاضطلاع بالدور الخطير والمجازف. الاحتكام إلى هذه الثنائية الجديدة ما زال يلعب في الهواء الطلق بعيداً عن ثقافة القرية والعمران وطقوسية المحراب بل ينذر نفسه قيماً كفوءاً لخوض لعبة المبشر بالتنوع. هذا المبشر لا يعترف إلا بالوجود الكياني للتراث وأحقيته في التنفس وحسب. وهنا تكمن أزمة هذا الصوت فهو طماح وحذر، يريد كل شيء ويخاف من كل شيء، يعيش الانفصام في أعقد حالاته السريرية إلى درجة انغلاق الهوية داخل وخارج النص. يقع في تصوري انه لم يعد ثمة خيار لهذه الفئة إلا التصالح مع النص أو عقد هدنة معه في مجتمع نصوصي وشارع نصوصي حتى يتمكن من طرح مشروع أخلاقي كشعار فئوي يؤمّن له هامشاً ولو ضيقاً في دائرة الجدل الاجتماعي يأخذ في الاتساع لتمرير رؤاه الإصلاحية. جدلية «النافع والضار» تخضع لفرز نصوصي لدى الطرف المحافظ المهيمن على كافة المستويات المؤسسة أما الليبرالي فليس فارساً نصوصياً حتى لو بلغ شأواً وعلو كعب داخل النص ذاته وبالتالي تتعطل قدرته من اقناع المؤسسة الاجتماعية بتعريفه «الفلسفي» لمفردة «جمال» و«نافع» وذلك لغيابه عن حلبة النص وليس تغييبه. ورشة العمل الفقهية يظهر لي بعد أن تابعت ما تم تداوله في الحوار اننا بالفعل بأمس الحاجة لورشة عمل فقهية يلتئم فيها الفضلاء من علماء الإسلام بشتى أطيافهم لمناقشة نصوصية دقيقة ومستغرقة وصارمة لشتى الاختلافات العالقة اجتماعيا ودينياً لا سيما ان بعض الأفراد ممن يسوغون بعض ما يخالف السائد السعودي عمدوا إلى التأويل المعلب متأولين بالمذهبية والتعددية حيث انهم لا يتبعون آراء المذاهب الأخرى كما تقتضيه الدقة والأمانة بل يقصدون إلى تغييب التفاصيل واحتزاء ما يراد ونبذ ما لا يراد. واقترح ان ينهض بهذا المشروع مجمع الفقه الإسلامية بإقامة حلقات النقاش ونشرها في مجلات محكمة أو كتب ليستفيد منها القارئ وحتى لا يحدث العبث بالتفاصيل ويتولى كذلك الرد على الشبه التي تتهم الشريعة بتسويغ العبوية في كل العصور الإسلامية وكذلك قضية الولاء والبراء والحدود القضائية. ومن الأهمية بمكان ان يصدر عن المجمع موسوعة تهتم بكشف الجوانب الإنسانية للإسلام والمسلمين وتكريسها أكثر. الزهد إلا في الثقافة الشيخ صالح الحصين رئيس شؤون الحرمين الشريفين له موقع ريادي في الحوار، افتتح جلسات الحوار بوضع النقاط الكبيرة على الحروف الصغيرة واختتمها بوضع نقاط وحروف لا تكاد تغادر ذاكرتي كل الكلمات التي بسطها في مختتم الحوار.. قال لي أحدهم وأنا أجلي له بالغ إعجابي بهذا الرجل. قال: انه الرجل الذي يسمع عندما يريد ويرى عندما يريد. سمع منه النحبويون ما لم يسمعوه من قبل بل وفي صميم همومهم الثقافية.. إن هذا السقف الرفيع من الوعي لهو الشيء الوحيد الذي نراهن عليه ونرجو لبقية طلبة العلم الشرعي أن يسلكوا على منواله ليبلغوا هذه المنزلة من التواضع غير المصطنع والزهد إلا في الوعي والثقافة. على الرصيف ٭ ذكرت الأستاذة أميمة الخميس ان هناك من يرى ان المنتج التقني شيطاني. وأنا سأمنحها الجائزة الكبرى للاصلاح إذا ذكرت لي واحداً فقط. ٭ اقترحت إحدى المشاركات تفعيل دور السفارات في التعريف بالآخر وكان هذا من الاقتراحات العالقة في الذاكرة والمكينة في التوصيات وهذا يدل على تميز صوت المرأة وهو رد ناعم على من يرفض مشاركة المرأة في الحوار. ٭ الشيخ موسى العبدالعزيز لم ينل رضا الليبراليين هذه المرة. ٭ طالبت بدرية البشر بمعاقبة من يطلقون عبارات «التكفير» وأطالب بمعاقبة من يطلقون عبارات «الإرهاب» وعلى هذا أوقع. ٭ غاب مصطلح «ما بعد الحداثة» عن لغة الحوار وكان جديراً بالظهور لأنه يعالج ظاهرتي النخبة والشعبوية والمحورية بأمس الحاجة إليها. ٭ نحتاج أرقام احصائية دقيقة لما طرحه د. عبدالواحد الحميد بشأن معاملتنا السيئة للعمالة لنعرف أنفسنا أكثر. [email protected]