عرفت أبا طارق أو لأقل الشيخ سعد بن عبدالرحمن الحصيّن خلال أربعة عقود ونيّف مضت.. ولعلي أدّعي هنا أنني لم أعرف أحداً، ممن عرفت في مشوار الحياة أكثر مما عرفته.. ومعرفتي به لم تكن ظاهرية ينشأ عنها إعجاب عابر أو موقت.. لكني عرفت فيه نقاء السريرة.. وصدق الطويّة.. والتقوى في الله..لا يجامل أحداً، إذا ما تعلق الأمر بالدين.. ولا يداهن من أجل منفعة في الدنيا.. لا يرفع صوته على أحد.. ولا يظهر تبرمه من أحد.. لكنه يضع في مكان ذلك كله الدعاء لمن يرى فيه اعوجاجا.. أو قلة يقين. وهو إلى جانب ذلك تربوي متمكن في تخصصه (فلسفة التربية) وهو نفس تخصصي.. وعليه فقد جمعتنا قواسم كثيرة مشتركة عندما كنا نناقش قضايا وهموم التعليم في اجتماعات كثيرة جداً ومطولة إن في وزارة المعارف بالرياض.. أو في إدارات التعليم عندما نجتمع على قضية تربوية معينة أو في مؤتمرات الجامعات خاصة تلك التي ضمتنا في كلية التربية بمكة المكرمة عندما كنت أستاذاً بها.. في كل الاجتماعات التي جمعتنا تراه هو الفارس المجلّي فيها لكنه لا يحاول إشعار أحد بذلك.. وإذا جلس إلى أي اجتماع فإنه لا يجلس على رأس (الطاولة) فيه.. بل يجلس كيفما اتفق.. وإذا دار النقاش صار هو فيه محط النظر والرأي. والأستاذ سعد موسوعة علمية يطوي على معرفة واسعة جداً مع تواضع جم.. سيرته في ذلك سيرة العلماء الربانيين.. يمشي على الارض هوناً.. ويأكل و يشرب بما يكفي لاستقامة حياته.. ويعيش في حياته الخاصة عيشة الزاهد الذي لا يرائي أحداً.. وجمعُ حطام الدنيا لا يعني له شيئا البتّة.. لا ينافسه في ذلك الا شقيقه وصنو حياته.. الشيخ صالح الحصيّن رحمه الله. رحم الله الأستاذ سعد الحصيّن الذي رحل عن دنيانا من دون ضجة.. تماماً كما عاش حياته كلها من غير صخب. ولمن لا يعرف.. فقد أوصى أهله ومحبيه أن لا يقيموا له عزاء. لقد عاش الحياة هوناً.. وغادرها هوناً من منطلق الآية الكريمة: (والذين يمشون على الأرض هونا..) الآية. عندما حصل على درجة الماجستير من الولاياتالمتحدة.. ألحّ عليه خالد بن فهد بن خالد وكيل وزارة المعارف (الذي أذكر اسمه هنا مجرداً لأنه بسمو علمه وخلقه أرقى من كل الألقاب) أن يكمل الدكتوراه وأصر في المقابل على عدم رغبته في ذلك.. وكنت ممن رغب إليه ذلك.. فقال: وما أفعل بها..؟ إنها لن تؤمّن لي رزقاً أو مقاماً فوق ما كتبه الله لي. وهكذا هي كل حياته تواضعاً.. وبساطة.. وإيماناً لا يشوبه شائبة.. وأشهد مما عرفت فيه أنه بعلمه وبقدره فوق كل شهادة أو وظيفة. آخر مرة تحدثت فيها إليه كانت قبل شهرين وعندما ودعته دعوت له بطول العمر فقال: لا..لا بل أدعُ لي بحسن الختام. رحمك الله يا سعْد.. وتقبّلك في الصدّيقين من عباده الخيّرين.. وجبر كسْرنا وأهلك ومحبيك فيك.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.. والله المستعان. * مدير عام التعليم بالمنطقة الغربية سابقاً