طالب كثير من التربويين والمهتمّين منذ فترة بتطوير برامج إعداد وتأهيل المعلمين بشكلٍ يرقى لمهام وعظم مهنة التعليم، وارتفعت وتيرة تلك المطالبات بعد ضم كليات المعلمين، وكليات البنات لوزارة التعليم العالي. قرار الضم السامي ركَّز على تطوير برامجها، والمحافظة على كياناتها، ودورها في إعداد وتأهيل المعلمين والمعلمات بشكلٍ يُمكِّنها من تأدية رسالتها على أكمل وجه، غير أن الممارسة الفعلية للكثير من الجامعات التي ألحقت بها تلك الكليات جاءت على عكس ذلك؛ فالبعض ألغتها، أو دمجتها في كلياتٍ أخرى، فتردّت برامج إعداد المعلم، ممّا انعكس وسينعكس سلبًا على التأهيل، وسد الاحتياج. ومن الحلول العملية التي يجب النظر إليها، إنشاء جامعة للمعلم، أو جامعة للعلوم التربوية، وهذا يتماشى مع ما طالب به مجلس الشورى في أحد قراراته الصادرة حول إنشاء جامعات تخصصية. إن إنشاء جامعة تربوية متخصصة يتفق مع الاهتمام الذي توليه القيادة الرشيدة للتعليم، ويتماشى مع التجارب العالمية المعنية بالمعلم وتأهيله وتطوير أدائه، حيث يوجد في العالم عشرات النماذج من الجامعات المتخصصة المماثلة في كوريا وسنغافورة والصين وأمريكا وغيرها. يمكن أن تكون الجامعة المقترحة على نمط جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)؛ فمهنة التعليم هي أم المهن، وهي جديرة أن يُخصّص لها كل وسائل النجاح والتطوّر؛ لأن المعلم هو محور وركن التنمية الأساس، وإذا تم إعداده وتدريبه وتأهيله بشكلٍ جيد، فالمتوقع أن تكون المخرجات أفضل، فإن «وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة». ويمكن أن تتولى الجامعة المقترحة وضع سياسات برامج إعداد وتأهيل وتدريب المعلمين والمعلمات في المملكة، وفتح برامج الدراسات العليا للتخصصات التربوية والتعليمية، والتوسع فيها، وإجراء البحوث والدراسات في مجالات التربية والتعليم المختلفة، والتدريب المستمر، وبرامج التنمية البشرية، وكذا الدبلومات المتخصصة حسب احتياج الميدان التربوي. يأتي عقد مؤتمر المعلم الخامس اليوم في جامعة أم القرى، الذي يفتتحه معالي وزير التعليم حول برامج تأهيل وتدريب المعلم في وقته المناسب.. فهناك تحديات حقيقية كبيرة تواجه المعلم والمعلمة، يُقابله ضعف واضح في برامج التنمية والتطوير المهني. فلعلَّ معاليه يهتبل هذه المناسبة السانحة لإطلاق هذه المبادرة الوطنية، وهو معروف باهتمامه بإصلاح التعليم، والخبير بالمجتمع التربوي والأكاديمي. من جهةٍ ثانية، فجامعة أم القرى عُرفت بدورها الحيوي والكبير في تطوير برامج إعداد وتدريب المعلم منذ عقود، ويمكن الاستفادة من مكانها الجغرافي الهام، ومن خبرة كلية التربية التراكمية لتكون الكلية النواة للجامعة المنشودة.. فهل يُعيد معالي الوزير المكانة المستحقّة لبرامج إعداد وتدريب المعلم لوضعها الطبيعي، ويدفع بها إلى آفاق أرحب؟. هذا ما أتمناه! * عضو مجلس الشورى