72ساعة تفصل اليمنيين عن لحظة العبور برئيسهم التوافقي، عبدربه منصور هادي، إلى دار الرئاسة اليمنية، التي ظلت حكرًا وماركة مسجلة باسم صالح- الرئيس السالف- طوال ثلاثة عقود ونيف. الثلاثاء المقبل، الحادي والعشرين من فبراير، ينظر إليه الشعب اليمني على أنه يوم مفصلي في حياتهم بين مرحلتين، مرحلة خروج رئيس (دائم) من السلطة، كان قد جاء إلى الحكم عبر ادوات السبعينيات،ومرحلة رئيس توافقي، شعبي ورسمي، وإجماع عام حوله- محلي ودولي- ينقص شرعيته المصادقة الشعبية التي ستأتي بها أصوات الناخبين اليمنيين الثلاثاء المقبل، حينما يهبّ معظم عامة المواطنين اليمنيين، ممن بلغوا السن القانوني إلى أكثر من 6 آلاف مركز انتخابي تديرها لجان انتخابية قوامها يتجاوز( 30) ألف لجنة ، تم تشكيلها مشاركة من المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك المعارض، لانتخاب والتصويت ب»نعم» لهادي لرئاسة اليمن، في انتخابات غير تنافسية، تنفيذا لبنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي وقعت عليها الأطراف السياسية بالعاصمة السعودية الرياض في ال(23) من نوفمبر الماضي، للخروج الآمن باليمن من الأزمة والاضطرابات التي تعصف به منذ مطلع العام الماضي، في إطار ثورات الربيع العربي، إثر الاحتجاجات المطالبة بإسقاط نظام الرئيس صالح. ورغم أن الانتخابات الرئاسية اليمنية المبكرة، غير تنافسية، هادي هو مرشح وحيد فيها، بإجماع محلي ودولي، وبالتالي فان نتيجتها، محسومة سلفًا، والفائز فيها هو عبدربه منصور هادي.. لكن المجتمع الدولي والإقليمي يحرص أن تتوج خطته هذه في انتقال السلطة من الرئيس صالح إلى خلفه هادي، بنجاح مشاركة أعلى نسبة من الناخبين اليمنيين في عملية التصويت وانتخاب هادي، وان يتم الاقتراع في ارجاء اليمن، مختلف المدن والبلدات والقرى اليمنية، وبألّا ترافق الانتخابات أعمال عنف، وتعطي المشاركة فيها أو مقاطعتها نتائج مخالفة لإرادة المجتمع الدولي والمبادرة الخليجية، المؤكدة على ان تؤدي هذه العملية إلى يمنٍ مستقر وموحدٍ. الكل، مجتمع دولي وإقليمي ويمنيون- سلطة ومعارضة- يؤكدون أن انتخابات الرئاسة اليمنية المبكرة المقرر إجراؤها في 21 فبراير الجاري، هي البوابة الوحيدة لإخراج اليمن من وضعه الحالي، وهي جسر عبور إلى يمنٍ أفضل ومستقر، غير أن جميع هؤلاء يدركون خطورة المرحلة التي يمرّ بها البلد. وحتى الأسبوع الماضي، كان المشهد الانتخابي في اليمن، غير واضح المعالم، ما حدا بالقائمين على تنفيذ خارطة بنوده، الاعتراف بحجم الصعوبة التي تعترضهم، أولا: في ثني النخب السياسية والمكونات والتكتلات الرافضة للتسوية السياسية برمتها والانتخابات على وجه الخصوص. وثانيا: في إقناع الناخب اليمني بأهمية مشاركته في هذه الانتخابات وما سيترتب عليها من بناء المستقبل الأفضل وميلاد اليمن الجديد، خاصة قبل انضمام شباب الساحات إلى التأييد للانتخابات، وتصدر قيادة الدعاية والحملة الانتخابية لهادي من خلال حث الناخبين على المشاركة فيها، باعتبارها واجبا دينيا وضرورة وطنية كونها من أهداف الثورة الرئيسية التي خرج من أجلها عامة الشعب اليمني إلى الساحات- حد بيان منسقية الثورة وخطباء الساحات. وبعد إعلان شباب الثورة مشاركتهم في الانتخابات ودعوتهم لليمنيين اللحاق بركب التغيير، تبددت تلك المخاوف، وأصبح الأمر يسيرا، ولم يبق متخلفا عن الإجماع المحلي والدولي، إلا جماعتين،هما الحراك الجنوبي في جنوب اليمن، والحوثيون في شماله. وإلى جانبهما الجماعات الإرهابية من أنصار الشريعة التابع لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهذه الأخيرة مستبعدة، محليا ودولياً، من العملية السياسية بالمرّة، لتوجّهها العالمي ونهجها الإرهابي الرافض لمفهوم وفكرة نظام الحكم السياسي، إلا أنها تسيطر على بلدات ومدن مهمة في جنوب البلاد وتحديدا في محافظة أبين، مسقط رأس المرشح التوافقي، هادي الذي كان قد حاول الأسبوع قبل إيفاد وساطة برلمانية قبلية إلى محافظة أبين، جنوب اليمن، للتفاوض مع قيادات القاعدة وأنصار الشريعة للانسحاب من زنجبار وشقرة وجعار حتى تتمكن اللجان الانتخابية من الدخول إليها وممارسة عملها والسماح للمواطنين الناخبين بالذهاب إلى مراكز الاقتراع وممارسة حقهم الانتخابي في الاقتراع.. لكن رفع القاعدة سقف مطالبها إلى حدّ غير معقول، فضلاً عن اعتراض المجتمع الدولي لأي حوار مع القاعدة مهما كانت الظروف. ما أدى إلى تراجع المسؤولين الحكوميين في اليمن عن هذا التوجه ، والنفي الرسمي وجود أي حوار مع القاعدة أو الجماعات التابعة والموالية لها. وبالنسبة للحراك الجنوبي، الذي يطالب بفكّ ارتباط جنوب اليمن عن شماله- أي الانفصال من دولة الوحدة اليمنية التي تكونت جراء اندماج النظامين في شمال وجنوبه بعد اتحادهما في ال22 من مايوعام 1990م، بشراكة في الحكم، غير أن الحرب الأهلية التي اندلعت بين شريكي الوحدة- الحزب الاشتراكي اليمني يقوده الرئيس السابق للجنوب ونائب الرئيس اليمن الموحد علي سالم البيض، والمؤتمر الشعبي العام يقوده صالح رئيس الشطر الشمالي سابقاً ورئيس اليمن الموحد- أدت بخروج الشريك الأول من السلطة. لقد انقسمت مواقفه بشأن الانتخابات الرئاسية إلى ثلاثة، فريق مع التسوية وتأجيل مناقشة القضية الجنوبية إلى ما بعد الانتخابات لتكون على رأس أولويات مؤتمر الحوار الوطني، وآخر ضد التسوية وضد المشاركة في الانتخابات، وفي نفس الوقت ضد استخدام العنف لمنع إجراء الانتخابات في المحافظات الجنوبية، لكنها مع الانتظار لحل القضية الجنوبية إلى ما بعدها. أما الفريق الثالث، فهو ضد الانتخابات وضد إجرائها بالمرّة في المناطق الجنوبية. وهذا الأخير انتهج في الأسابيع الأخيرة العنف واستخدام السلاح ضد شباب الثورة الذين أيدوا الانتخابات في ساحات الاعتصامات بالمحافظات الجنوبية، كما استخدمه في مواجهة اللجان الانتخابية ومنعها من ممارسة عملها في الدوائر والمراكز الانتخابية، ورغم أن قيادات الحراك دانت هذه الأعمال، وتبرأت منها، قالت» بأنه من ألاعيب ومخططات بقايا نظام صالح». والاتهام نفسه وجهته المعارضة اليمنية، وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، اكبر أحزاب المعارضة المنضوية في تكتل اللقاء المشترك، اتهم بقايا نظام صالح بالوقوف وراء أعمال العنف هذه، من خلال تمويل وتسليح عناصر محسوبة على قوى الحراك الجنوبي ودفع بها إلى ارتكاب هذه الأعمال. وهذه الاتهامات محتملة التصديق، خاصة وان عناصر مسلحة بمختلف الأسلحة، ظهرت فجأة تقيم نقاط التفتيش في شوارع وتتحرك بحرية دون اعتراض من قبل الأجهزة الأمنية في أحياء مدينة عدن، كبرى مدن جنوب البلاد والمدينة اليمنية الوحيدة التي كانت خالية من المظاهر المسلحة. ويدرك الراعون للتسوية وقوع مثل هذه الاستفزازات، هنا وهناك، من قبل ما يسمى بصقور حزب الرئيس صالح المنتهية ولايته، لكنهم يؤكدون انها لعب في الوقت الضائع، وان اللاعبين بهذه الأوراق ممن كانوا في يوم ما صقورا بالفعل لم يعودوا كذلك، وان مخالبهم قد قلمت وريش أجنحتهم قصقصتها الإرادة الشعبية المسنودة إقليميا ودوليا، وبالتالي يعرفون قبل غيرهم أنها لا يمكن ان تثني هذه الإرادة الشعبية والدعم الإقليمي والدولي غير المسبوق لها. وأما بالنسبة لجماعة الحوثيين، فهي ترفض المشاركة في الانتخابات، ليس للانتخابات نفسها، وإنما تلاحقها شبهات بتبنّي مشروع إيراني شيعي، للتوسع في المنطقة، تتلقى التوجيهات والخطط من حوزات الفقيه في قم وهي فئة الحوثيين وتعمل على تنفيذها في اليمن،غير ان التحذيرات التي وجهها سفراء أوروبيون، خلال زيارتهم لمحافظة صعدة أواخر الأسبوع الماضي لزعيم جماعة الحوثيين، عبدالملك الحوثي، كانت واضحة وشديدة اللهجة، للسماح بإجراء الانتخابات الرئاسية في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وكشفت المصادر أن السفير الألماني ورئيس القسم السياسي في بعثة الاتحاد الأوروبي بصنعاء،التقيا زعيم جماعة الحوثيين، عبدالملك الحوثي، ومحافظ المحافظة فارس مناع، وأن السفير الألماني أبلغ الحوثي «رفض المجتمع الدولي موقف الحوثيين من الانتخابات الرئاسية»، وأن «مجلس الأمن لن يسمح بتشظّي اليمن». وطلب السفير الألماني من الحوثي السماح للجان الانتخابية بدخول محافظة صعدة والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة ميليشياته «وترك حرية الاختيار لكل مواطن يريد أن يدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية».. مؤكداً أن جماعة الحوثي الشيعية المسلحة، في شمال اليمن، رضخت لضغوط أوروبية بالسماح بإجراء الانتخابات الرئاسية في المناطق الخاضعة لسيطرتها منذ سنوات في شمال البلاد. يتضح من ذلك إصرار المجتمع الدولي على المضيّ في إنجاح التسوية السياسية في اليمن والانتخابات الرئاسية جزء منها لإخراج البلد من أزمته، مهما كانت الظروف وحجم الأصوات المعارضة لإجرائها، وأن من يقف ضدها أو يحاول اختلاق المشاكل والعراقيل، فهو بذلك يتحدّى الإجماع الدولي ويضع نفسه في خانة العداء معه، ما قد يضطر الأطراف الإقليمية والدولية الى التصدى لها بمختلف الوسائل الممكنة. هذا ما استقرأته قيادات الحراك في الخارج، كحيدر ابوبكر العطاس وعلي ناصر محمد مع آخرين، ما حدا بهم إلى التراجع عن مواقفهم المتشددة تجاه الانتخابات والقضية الجنوبية، لينتظروا حتى حلول موعد مؤتمر الحوار الوطني، الذي سيعقد خلال الفترة الانتقالية المقررة بسنتين، والتي ستحدد مخرجاته ونتائجه شكل نظام الحكم في اليمن- رئاسي ام برلماني- مركزي أم لا مركزي، فيدرالي أم كونفدرالي.. كما أن المؤتمر سيسفر عنه إعداد دستور جديد لليمن. والإرادة ذاتها موجودة لدى شركاء العملية السياسية وحكومة الوفاق الوطني، هذا ما أكده القيادي في تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض، الدكتور محمد المخلافي، وزير الشؤون القانونية في حكومة الوفاق بقوله» لا يوجد خيار أمام اليمنيين وأمام العالم غير النجاح في الفترة الانتقالية. وفي حال اختلقت مشاكل من الطرف الآخر، قال: « نحن ندرك مثل هذه المخاطر والاستفزازات، وأن أي عمل مهما كان ضخامته يجب الا يستفزنا وألا نتخلّى عن دورنا في إنقاذ اليمن».. مشيراً إلى ان هناك إرادة داخلية في كتلة سياسية واجتماعية كبيرة، وإرادة دولية جامعة من اجل توفير شروط الانتقال الديمقراطي في اليمن».