تمكن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من كبح طموح معارضيه في إسقاط نظامه تحت ضغط الشارع، وإزاحته عن سدة الحكم بالقوة، على غرار ما آل إليه مصير أقرانه في تونس ومصر وليبيا، ونجح في إقامة توازن رعب حال دون اندلاع مواجهات دموية واسعة بين قواته الأمنية ومئات آلاف المحتجين والمعتصمين في «ساحات التغيير»، ومكنه من المناورة لأكثر من 11 شهراً في وجه معارضة كانت تزداد زخماً بمرور الوقت، ومن الصمود أمام الضغوط الإقليمية والدولية التي طالبته بالتنحي، إلى أن اقتنع الجميع بصيغة تحميه من الملاحقة وتضمن له حق ممارسة السياسة لاحقاً ولو في صفوف المعارضة. ومع مغادرة علي صالح البلاد لمتابعة علاجه في الولاياتالمتحدة، يبقى اليمن رهينة التداعيات الخطيرة التي أفرزتها الأزمة وكادت تصل به إلى الحرب الأهلية والفوضى الشاملة، والركود الاقتصادي الذي أطاح أكثر من مليون وظيفة، والخسائر الفادحة في قطاعات الاستثمار والتجارة والسياحة والتي ناهزت 20 بليون دولار، فضلاً عن الانقسام السياسي والقبلي الواسع الذي يحتاج إلى معالجة طويلة الأمد. ويؤكد قريبون من صالح أنه كان يدرك منذ بدء الاحتجاجات الشبابية والشعبية المطالبة برحيله بأن الموجة التي عمت معظم المحافظات اليمنية وما رافقها من ضغوط إقليمية ودولية مؤيدة للتغيير، لا بد وأن تنتهي بإطاحته، ولذا قرر مناورة كل الأطراف في الداخل والخارج للوصول بالأزمة إلى تسوية سياسية تتيح له اختيار «سيناريو المشهد الأخير» من فصول حكمه لليمن الذي استمر 33 سنة، وتسمح له بخروج مشرف من السلطة، من دون إجباره على الغياب النهائي بعدما نال الحصانة من أي ملاحقة قضائية أو قانونية، وفرض نائبه عبد ربه منصور هادي مرشحاً توافقياً لخلافته. لكن أياً يكن حجم التأييد والإجماع الذي يحظى به هادي، فإن الرئيس الذي كانت مغادرته لليمن مطلباً أساسياً لقوى المعارضة التي تخشى ألاعيبه ومناوراته التي لا تنتهي، ترك له الكثير من الملفات والقضايا المعقدة والشائكة التي أثقلت وستثقل كاهل اليمن لسنوات طويلة، وفي مقدمها ملف تنظيم «القاعدة» المخيف لليمنيين وللجوار الإقليمي وللمجتمع الدولي، والذي بات نشاطه في مختلف المحافظات الجنوبية والوسطى والشمالية ملفتاً وخطيراً في الشهور الأخيرة. وهناك أيضاً ملف الجنوب وجماعة «الحراك» المطالبة بالانفصال عن الشمال، وملف «الحوثيين» المناهضين للحكم المركزي والساعين إلى إقامة ما يشبه الحكم الذاتي في أقصى شمال البلاد. وترك صالح وراءه أيضاً دولة هشة خاضعة لسطوة التوازنات القبلية ونفوذ المصالح والفساد المالي والإداري الذي ينخر المؤسسات العامة والخاصة، وتنمية متعثرة، وخدمات متهالكة، وبطالة مباشرة ومقنعة، وشعباً يعيش معظمه تحت حد الفقر. لكن رغم ذلك يفرط معارضوه ووارثوه في التفاؤل بأن اليمن قادر، بعد التغيير في القيادة، على المضي في بناء الدولة المدنية والازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي والأمني وتطبيق برامج التنمية، بعدما شبعوا على مدى عقود وعوداً لم تتحقق.