كان المقطع ضمن تقرير أعدته إحدى القنوات العربية التي لا تُتهم بمناهضة إيران إنما على العكس، قال التقرير إنّ توتر الأوضاع في لبنان وتقدم -المحور الإيراني- وذلك في تعليقه على إسقاط دمشق لتهدئة بيروت بعد التصعيد الطائفي إجمالا وعلى الحريري خصوصا، فقال المعد إن هذا التصعيد يأتي بعد أن تبين بجلاء التوافق الأمريكي الإيراني الحاسم المدعوم سوريًّا في العراق ومستقبله الجديد، هذه الخلاصة ليست جديدة ومعروفة لكن أن تعترف بها أوساط إعلامية عربية كانت ولا تزال تراعي طهران فهي بكل تأكيد إحدى المؤشرات الدقيقة على هذه القضية الحساسة في مستقبل العراق واستقراره وأمنه والأمن القومي العربي، لكن ذلك يجب أن لا يصرفنا عن المضامين الرئيسية للصفقة الأمريكيةالإيرانيةالجديدة ولن نُفصّل في الجوانب الأخرى التي ذكرناها في دراسات سابقة ومنها المقالة المعنونة -بعهدة واشنطن العراقية لإيران- لكن المهم أن نستذكر أن التكتل الطائفي المدعوم من واشنطنوطهران يقوم على ثلاثة أضلاع رئيسية الانتماء الأيدلوجي العميق لطهران وتكريس فكرة المحاصصة الطائفية والمفاصلة مع الانتماء العربي. من هنا يبرز لنا دلالة هذا المشهد ومستقبله ومعنى أن تدعمه واشنطن وماذا تريد مستقبلا من تكريس القيم الطائفية كحالة وجودية في منطقة الخليج وسواء كان الموقف الأمريكي تكتيكيا أو استراتيجيا فمؤدى الصفقة وكما أثبتت الأحداث يضرب في عمق الأمن العربي العام والعلاقات الوطنية والإنسانية بين المجتمع العربي في المشرق والخليج العربي على وجه الخصوص وهنا يجدر بنا أن نتنبه إلى خديعة الأمريكيين مع الخليج في تحشيدهم لدعم علاوي الذي قررت واشنطن مبكراً إسقاطه، وإنما كان مصيدة لدعم العرب الرسمي للعملية السياسية الانفصالية الطائفية التي كرسها الاحتلال، ولم يُعطل تسوية الأمر خلاف بين واشنطنوطهران فقد كان الأمر محسوماً لكن الصراع داخل الائتلاف الطائفي هو الذي تسبب بهذا التأخير. ويتضح لنا جلياً ومجدداً إلى أين يساق العراق؟! من هنا سيتساءل القارئ ما المقصود بمقالة المليك وما هو المغزى الاستراتيجي.. المقولة هي قول خادم الحرمين الشريفين للزعيم العراقي الوطني الكبير حارث الضاري - بِكُم تُحفظ العروبة في العراق والإسلام- مقولة بسيطة لكنها عميقة وتختصر بحوث ومحاضرات في السؤال: ما هو الحل الوطني العروبي للعراق..؟! وهنا سنستعرض وفقاً لقواعد المصالح وليس المبادئ بالضرورة حتى نفهم لماذا المشروع الوطني الذي تقوده هيئة علماء المسلمين منقذ للعراق وللخليج العربي والأمن القومي. لقد لفت نظري مؤخراً مواقف التأييد المتصاعدة من القيادات الشيعية العشائرية والفكرية للشيخ حارث الضاري المعروف تسيّده في القاعدة الشعبية السنية حتى مع قاعدة من يختلف معه، إن الشيخ حارث الضاري ومنهجية هيئة علماء المسلمين قد استطاعت أن تدرك مبكراً معنى قضية التصعيد الطائفي والشحن الموازي له في عملية الاحتلال بكل فصولها وبالتالي أدركت قاعدة العمل الوطني بما فيهم قطاع من أبناء الطائفة الشيعية أن التنّور الذي يوقد في العراق باسم المحاصصة هو مسرح حرب ومحرقة تلاعبت به واشنطنوطهران لمصلحتهما وليس أبداً لخاطر هذه الطائفة أو تلك إنما المشروع كان يحتاج إلى وقود دائم من الدماء كان القطبان يريقانه بكرم عبر حكومة المالكي وغيره لتحقيق توازن الرعب الذي لم يَبنِ وطناً للعراق بقدر ما صنع مأتما من الخرافة والصراع الطائفي المتعاظم . وفي هذه الأجواء الحارقة للوجود العراقي فإن الأمنيات لا تصنع موقفاً ولا تدعمه وإنما المواقف والاستراتيجيات هي من تفعل، ولقد شكّل المشروع الوطني العراقي حاجزاً لإنقاذ العراق والخليج في أكثر من دورة عاصفة وذلك عبر رديفه المقاوم الذي تشكل في جبهات رئيسية من فصائل المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية التي كسرت الاحتلال في نسخته الأولى حين كان المشروع الكبير للرئيس بوش مندفعاً حول باقي المنطقة ثم كسرته ثانية حين تغول الأمريكيون والإيرانيون في عملية الاختراق والتحريض الطائفي وساعدهم في ذلك جماعات العنف الوحشي الزاحفة على العراق فكان موقف فصائل التخويل وحلفائها رئيسياً في مواجهة الفتنة المذهبية وإحباطها والتي كانت نيرانها تُشعل أطراف الخليج العربي، هذه الفصائل القوية في منهجيتها وشرعيتها وانضباطها كلفت الشيخ الضاري أن يتبنى وبالنيابة عنها كما عن الجماعات السياسية الوطنية المؤيدة له تشكيل المشروع السياسي الذي يعقب هزيمة الاحتلال وخروجه منه وهذه القوة السياسية المهمة للشيخ الضاري يعضدها شخصيته الاجتماعية وتوازنه ومحورية هيئة علماء المسلمين وتاريخه الإيجابي الكبير مع منطقة الخليج العربي وعمقه العشائري والوطني.