متابعة لما جاء في التقرير الذي وضعه الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون حول التقارير الصادرة عن الحكومات، الذي يؤكد فيه التزام الحكومات بالتنفيذ الكامل لمنهاج عمل بكين (وثيقة بكين)، ونتائج الدورة الثالثة والعشرين الاستثنائية (وثيقة بكين+5)، و(اتفاقية سيداو)، والتعهد بالتغلب على التحديات والعقبات التي تعترض التطبيق الكامل لتلك الوثائق. وفي هذا الاستعراض لما جاء في التقرير، فإني أهدف إلي توضيح الخطورة، التي تكمن في خلفيات تطبيق ما جاء في وثيقة بكين، التي يعتبرونها منهاج العمل الآن لجميع قضايا المرأة والشباب والأطفال، وهي ورقة الآليات والسياسات Policy paper لتفسير وتفعيل وتطبيق اتفاقية السيداو التي تعتبر الإطار القانوني التشريعي، والتي تتبنى مشروعات ظاهرها خدمة النساء وتطبيقاتها العنف ضدهن لما تحويه هذه الكلمة من معنى وفق التشريع الرباني وليس وفقت التسييس السيداوي. فإذا اقتربنا من كل مفهوم وتم تحليله وفق ما يراه التقرير سنجد الفرق شاسعا بين من يهتم بالأمر ومن يضعه ضمن سياقات حركية استنفارية تلوح بإيفاء النساء حقوقهن، وفي الواقع هي تمرير لأجندة الباحثات عن التماثل في الحياة وليس (التمايز) الذي (يميز كل جنس بما لديه من إمكانيات ومواهب) ليكتملا بهذا التمايز الكامل بين الجانبين. فإذا قمنا بتحليل ما يختص ببند (العنف ضد المرأة) فقد أشاد التقرير بقيام عدة حكومات بتجريم ما أطلق عليه: العنف المنزلي Domestic Violence، والعنف الجنسي Sexual Violence، كما أشاد بازدياد عدد الدول التي قامت بتوسيع دائرة العقوبات المتعلقة بذلك النوع من العنف بما فيه ما سمى بالاغتصاب الزوجي Marital Rape، ثم انتقد التقرير كون العقوبات المخصصة للاغتصاب الزوجي لا تزال أقل من تلك المخصصة للاغتصاب من قبل أغراب (الفقرة 123). ويوضح أنه تم توسيع تعريف الاغتصاب في العديد من الدول خاصة في أفريقيا؛ بحيث تصبح العلاقة الجنسية مع الزوجة بدون كامل رضاها اغتصابًا زوجيًّا، وذلك بالتركيز على عنصر (الرضا) بعد أن كان التركيز على عنصر (الإجبار الجسدي). كما تم تشجيع الزوجات على تقديم الأدلة عن طريق التصوير بواسطة الكاميرا، كدليل قانوني على حدوث ما سماه التقرير الاغتصاب الزوجي، مع ضمان الحماية لتلك الزوجة ودعمها قانونيًّا ونفسيًّا واجتماعيًّا (الفقرة 124، 149). بينما نجد أن عقوبة الاغتصاب من قبل الأغراب عن المرأة أقل من عقوبة ما يطلقون عليه اغتصاب الزوجة!! ووضح أن هناك العديد من الدول استعانت ببعض من يسمونهم القادة الدينيين والإعلاميين وقيادات المجتمع المدني على تغيير ثقافة المجتمعات، بحيث تتقبل ما سمى ب (الاغتصاب الزوجي)، واعتباره مستوجبًا للعقوبة القانونية (الفقرات 136، 137، 138). وتم استخدام وسائل عديدة لنشر تلك الأفكار منها: الكتيبات والمواقع الالكترونية والبرامج التليفزيونية والإذاعية والإعلانات والمناهج الدراسية والمؤسسات التعليمية (الفقرات 139، 140، 142). ولم يتضح في التقرير ما الخطوات التي لابد من اتباعها لمنع اغتصاب النساء من الآخرين الأغراب الذين يتصيدونهن في مواقع العمل أو التعليم، أو الأماكن الأخرى التي يوجدون فيها وما هي عقوباتهم؟! أما ما يتعلق بحقوق الإنسان الخاصة بالنساء Human Rights of Women وهي الأهم في التقرير فقد أكدت الفقرات (287-289-295) على اعتبار ( اتفاقية سيداو هي الإطار العام لتعريف حقوق الإنسان للمرأة)، بحيث يتم (التساوي المطلق) من خلال ذلك الإطار، وإدخال المعايير الدولية لحقوق الإنسان في القوانين والدساتير المحلية. وقد أشاد التقرير بقيام العديد من الدول بتقنين سن الزواج بحيث يتساوى الحد الأدنى للإناث والذكور على حد سواء، بينما في الوقت نفسه نجد أن بنود هذه الاتفاقية تشجع العلاقات غير الشرعية بين المراهقين وتوفر لهم وسائل منع الحمل !! فنجد تحت عنوان (الطفلة الأنثى) في التقرير الآتي: (يعتبر التقرير الزواج تحت سن الثامنة عشرة شكلاً من أشكال العنف ضد الطفلة الأنثى (الفقرة 395)، ولهذا يركز التقرير على أهمية تعليم الجنس؛ بحجة تفادي حدوث الحمل المبكر وانتشار الأمراض المنقولة جنسيًّا بين المراهقين، مؤكدًا ضرورة التثقيف في مجال الصحة الإنجابية للمراهقين واعتبار تفادي حدوث الحمل مسؤولية مشتركة بين الفتيات والصبية (الفقرة 402). كما أكد التقرير أحقية الطفلة الأنثى في أن تحمل اسم الأب ولو لم يكن أبًا شرعيًّا لها (الفقرة 393).هذه تطبيقات اتفاقية السيداو، التي نجد بيننا من يروج لها ويعتبر مواجهتها خروجا على الأعراف الأممية!! وما ذكرته هنا منشور في ومن تقري بان كي مون! ولا تتوقف المطالبة بسن القوانين التي تحقق التساوي التام في الحقوق والواجبات في الأسرة وعند الطلاق. كما أشاد التقرير بتقنين زواج الشواذ في بعض الدول، وقيام عدد من الدول الأفريقية بمراجعة قوانين المواريث تمهيدًا لتحقيق التساوي التام (الفقرة 293). من الآليات التي استخدمتها الدول لتعميم المفهوم الأممي لحقوق الإنسان للنساء بمختلف خلفياتهم الثقافية والدينية:- الخطوط الساخنة Hot lines، والمناهج الدراسية، والدورات التدريبية للمعلمين.كي يكونوا مؤهلين لتعميم هذه القوانين، وأيضا الحملات الالكترونية المسموعة والمرئية. (الفقرات 300-301-302-303-304) كي تمارس ضغطا إعلاميا يمرر هذه البنود الخطيرة، وكأنها المنقذ لحقوق النساء. كما اعتبر التقرير أن أهم العقبات أمام الإدماج الكامل لاتفاقية سيداو في القوانين المحلية هو عدد التحفظات على الاتفاقية، خاصة على المادتين (2،16) [5] اللتين تعتبرهما اللجنة المعنية بمتابعة تطبيق اتفاقية سيداو، من صميم الغرض من الاتفاقية (الفقرة 308). والخطورة الأكبر في هذا التقرير اعتباره أن من أهم العوائق أمام ما اعتبره (حقوق الإنسان للنساء) هي (التشريعات الدينية والعرفية في مجال الأسرة والطلاق وقوانين الأحوال الشخصية وقوانين العقوبات والميراث)!!. وأخيرا قررت هيئة الأممالمتحدة إنشاء هيئة جديدة خاصة بمساواة الجندر New Gender Entity تجمع تحتها كل هيئات الأممالمتحدة المعنية بتحقيق مساواة الجندر، ويستهدف رصد مبلغ بليون دولار لتأسيس تلك الهيئة،ى التي ستكون أكثر نفوذًا وتأثيرًا ولديها صلاحيات أكبر في تحقيق أهداف الأممالمتحدة لمساواة الجندر؛ لأنها ستكون تابعة مباشرة للأمين العام، وبالتالي ستقوم بإتاحة مساحة أكبر للمنظمات النسوية غير الحكومية في اتخاذ القرار والعمل من خلال هيئات الأممالمتحدة في دول العالم المختلفة. في محاولة من دول المجموعة (G77) والتي تشمل الدول الإسلامية والصين، للتمسك بالهوية، تقدمت بعض الوفود الإسلامية بإضافة عبارة: “الخلفية الثقافية الدينية للمجتمعات Cultural historical religious background” في سياق تأسيس تلك الهيئة الجديدة. في محاولة للتصدي لهذا الخطر الذي لا يهدد الهوية فقط بل يتعداها لإبطال التشريعات الإسلامية وإحلال اتفاقية السيداو، بما تحمله من هدم للأسرة وخروج عن التشريعات والقيم مما ذكر أعلاه من قبل التقرير. ** لهذا ما نواجهه الآن من جراء هذه الاتفاقية، وما سوف يتم من خلال هذه اللجنة التي تجد الآن من يروج لها في إعلامنا العربي والخليجي هو الأخطر لأنها تعد التشريع الرباني عائقا ولابد من إزالته كي يتم ما يطلق عليه مساواة الجندر، وما قامت به الدول الإسلامية لابد من التأكيد عليه والرفض القاطع لجميع البنود التي (تتعارض تماما مع تشريعاتنا الإسلامية) وفي الوقت نفسه العمل علي إصلاح أنظمتنا التشريعية كي تكون هي الأمثل في إيفاء النساء والأطفال والأسرة عامة، ما منحها الإسلام وليس ما تلوح به اتفاقية السيداو ومن يقف خلفها! • أكاديمية وكاتبة