ماسح الأحذية هو ذلك الشخص الذي يقوم بتلميع الأحذية باستعمال أدوات بسيطة لا تتجاوز صندوقاً خشبياً بسيطاً، في داخله بعض علب ورنيش تلميع الأحذية، وفرشاة، وبعض قطع القماش. حالهم لا تختلف عن حال الطفل الذي أشرت إليه في مقالي يوم أمس، فهي مهنة لا ينظر إليها أغلب الناس باحترام، بل يعتبرونها مهنة تحط من كرامة الإنسان، غالباً ما يزاولها فتيان أو مهمشون في المجتمع، أو صعاليك، أو مجرد بسطاء من الشيوخ والفقراء وبائعي السجائر وأمثالهم من أصحاب الحاجة. *** أما ماسحو الأحذية الحقيقيون الذين أعنيهم هنا فهم أُناس من طبقة أخرى، تخصصهم تلميع أحذية الطغاة، فهُم صوت الطاغية الذي يصل للناس، وقدمه التي تمشي وسط المجاميع التي يخشى هو شخصياً أن يمشي بينهم. إنهم النُخب التي تخضع للاستبداد، وتُروِّج للطاغية، وتتماهى مع أفكاره وقراراته، وتصمت عن تعسُّفه وبطشه، إنهم أصابع الطاغية وذراعه الباطشة، وهم جزء من صناعة الاستبداد وعائلة الطغيان. إنهم ما يُعرف ب «ماسحو الجوخ»، الذين لا يملكون حيلة إلا النفاق، ولا يترددون عن لعق حذاء الطاغية ليصلوا لأغراضهم. *** والجوخ هو أحد أفخر أنواع الصوف. أما استخدام التعبير «يمسح جوخ» فهو إشارة الى من يتزلف أو ينافق لشخص ذي مكانة مرموقة وذي حيثية. وأصل التسمية كلمة تركية، حيث كان يُطلق على الشخص الذي يقوم على خدمة السلطان، وإعداد وتنظيف وتلبيس الأحذية (الجوخة دار). ولما كان الوزراء يرتدون بدلاً من الجوخ فقد أطلق عليهم الاسم مشتقاً مما يلبسون.. وقد اشتهر هؤلاء بالتملق للسلطان حتى لا يتركوا مناصبهم.. فأصبح المقربون من السلطان والذين أُشتهر عنهم التزلف والنفاق له يسمون بماسحي الجوخ... كدلالة رمزية إلى التقرب لصاحب المنصب بالتملق. #نافذة: [وإذا أصبح المفكر بوقاً يستوي الفكر عندها والحذاء]. نزار قباني