، وهي صفة تلازم كثير من الناس الذين دأبهم المداهنة لرباب العمل و أصحاب المال والجاه و متبوي المناصب العليا ، وهذا السلوك يخلو من الصدق و الأنكى من ذلك يكون امام ذلك الشخص وفي حضرته ، يكيل له المديح و الثناء الذي لا يستحق ، أما في حقيقة الأمر يتمنى له السقم العاجل و الموت المباغت و المرض المزمن او غير ذلك، لأنه يحسده على ماله وجاهه ، ومثلهم عادة يبوسون الايادي في العلن ويلعنونها في الخفاء ، ولقد قيل ( لا تكن ممن يلعن ابليس في العلانية ويواليه في السر) . امتازت العرب في العهد القديم بالشهامة والكرامة و المروءة ، وكان مسح الجوخ صفة مذمومة و موجودة الا انها بشكل دفيف و قليل جداً، يمتاز بها فقط اصحاب النفوس المريضة والدنيئة، لكن الكثير من العرب في قديم الزمان يعتزون بكرامتهم وشرفهم وعزة نفسهم ولا يذلون انفسهم بالتملق والمداهنة الى اصحاب المال والجاه ، و على العكس من ذلك ، فإن ماسح الجوخ عند العرب يداهن الحاكم ويحلل ماحرّم الله ويعين المسؤول على الظلم ويزينه في عينه ، و يلازم المسؤولين و الأغنياء لمسح عباياتهم المخملية من الأتربة والشَّعر الذي يلتصق بها . في وقتنا الحاضر كثرت هذه الصفة السيئة التي تشمئز منها نفوس الناس الكرام واصبحت عادة مسح الجوخ منتشرة في جميع الاوساط والمجتمعات حتى اصبح لا يعرف المتملق من الصادق لكثرة ما يرى ويسمع . وهناك كثير من الناس في هذه الأيام من أرباب العمل و الذين يملكون المال والجاه يحبون التملق والمداهنة و ماسح الجوخ ، مثل هؤلاء القوم يتمتعون بكثير من الغرور وعدم الثقة بالنفس، و من هنا يبحثون عن اصحاب الأنفس السقيمة والمتملقين المتسلقين حتى يمدوهم بالكذب الرخيص و المداهنة الدنيئة ، فذلك يشبع غرورهم و يشد من أزر انانيتهم. يكثر مسح الجوخ و التملق و المداهنة في الوظائف العامة هذه االأيام ، فتجد قليلاً من المسؤولين لا يلقوا بالا لتجار سوق النفاق و التملق و الرياء , بل انهم يحاولون جاهدين و بشتى السبل و الطرق ان يعيدوا هؤلاء المتسلقين والمنافقين إلى رشدهم و يحاربوا من اجل القضاء على فرسان النفاق الوظيفي .اما كثير من المسؤولين الذين و صلوا إلى مناصبهم و مواقعهم بالواسطة و المحسوبية و الرشوة ، و الذين لا ناقة لهم و لاجمل فى فن القيادة او الإدارة أو التطوير فانهم يبحثون عن المتملقين و لديهم خبرة فى تحسين اوضاع اولئك المتسلقين ليس لسبب بل لانها علاقة تذكرنا بالعميل المزدوج فى سلسلة افلام الجاسوسية. مسح الجوخ أو التملق يؤدي إلى نتائج عكسية و كارثية في المجتمع ، فهو الذي يحول الحمار النهاق لغزال ممشوق ، و الحصيني الغلبان إلى أسد متوج ، و الضفدع إلى بلبل مغرد ، و هو العصا السحرية التي تقلب العجوز الشمطاء لفتاة حسناء، و أصحاب العقول الخرقاء والنفوس الجوفاء لناس في أعلى المراكز و المناصب القيادية و سلالم الإرتقاء ، وتجعل من الثور أستاذا جامعياً ، و ينقل الوضيع إلى مكان رفيع . مسح الجوخ هو مرض أجتماعي ينموبكثرة في المجتمعات ذات الأنظمة الديكتاتورية التي لا يستطيع فيها المواطن الحصول على حقوقه المدنية والمادية و الوظيفية الا من خلال هذا السلوك الممقوت والمعدوم أصلا في المجتمعات الديموقراطية والتي تتساوي فيها الفرص بين المواطنيين. وكمثال تجد أن شخص أمي أو شبة أمي يجلس في الصف الأمامي أن لم يكن بجانب أكبر مسؤل في الحفل بينما تجد أنسان متعلم ومثقف يجلس لا بل يجلس ( بضم الياء) في الصفوف الخلفية ولماذا؟ لأن الأول من المتملقين المتسلقين ماسحي الجوخ . إذن مسح الجوخ هو فن قائم بذاته يجعل الصعاليك من وجهاء القوم, وهو فن لا يحتاج لدراسة ومؤهلات ومعاهد وجامعات , فقط يحتاج للسان حاذق في انتقاء كلمات المديح الزائف والتزلف والنفاق. ليس اجمل من ان يعيش الفرد بكرامته وعزة نفسه و شرفه، وان يمدح من يستحق المدح ويثني على من يستحق الثناء ، ويكون كفؤا له بدون اي منفعة شخصية أو مصلحة ذاتية ، لان المتملق يعيش على حساب المغرورين و الأنانيين، و بالمصطلح الدارج، فالمتملق هو الشخص المصلحجي . اللهم اجعلنا من ذوي اصحاب عزة النفس واصحاب الكرامة والشهامة، و باعد بينا و بين التملق والنفاق و الرياء و المداهنة و مسح الجوخ . الدكتور عويد عوض الصقور – كاتب و تربوي إردني [email protected]