بعد امتلاكهم للخيل والإبل تمكن البدو من فرض سيطرتهم على الطرق التجارية مما ضمن لهم الحصول على الثروة التي مكنتهم من امتلاك أدوات الحرب والأسلحة الفتاكة مثل السيف والرمح، بدلا من القوس والسهام. وأصبحت الجزيرة معبأة بالإبل والخيل والسلاح والرجال. واشتد الصراع بين البدو أنفسهم للسيطرة على طرق التجارة وبينهم وبين الممالك الحضرية التي كانت تحاول فرض سلطتها وسيطرتها عليهم. وهكذا استجدت على الصحراء العربية ظروف استدعت تنظيما اجتماعيا وسياسيا يتجاوز مستوى تنظيم الجماعات البدائية والجماعات الرعوية البسيطة، تنظيما يتناسب مع متطلبات الغزو ومع أغراض الدفاع والهجوم. ولم يكن أمام البدو نموذج تنظيمي يحتذونه سوى النظام العائلي ولا أيديولوجيا اجتماعية سوى أيديولوجيا قرابة الدم. ولذلك استعاروا مفاهيم القرابة ومفرداتها ليبنوا منها تنظيما جديدا متطورا يتجاوز في حجمه وتركيبته التنظيم القرابي، ذلك هو التنظيم القبلي. ويشكل التنظيم القبلي قفزة حضارية في مجال التنظيم الاجتماعي والسياسي لا تقل في أهميتها عن استئناس البعير واختراع الشداد في المجال التكنولوجي. يشكل نظام القرابة الأساس الذي تقوم عليه جميع العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمعات البدائية البسيطة. الأشخاص الذين ينتسبون إلى نفس الأب أو الجد يوحد بينهم هذا الانتساب في لحمة واحدة بحكم انحدارهم من نفس النطفة التي يتشكل منها الدم الذي يجري في عروقهم ويربط بينهم بصلة القربى. وعلى قرابة الدم يقوم مفهوم العائلة الذي يعد من المفاهيم البديهية وحقائق الحياة الأساسية التي يعيها الإنسان وتشكل محددا من أهم محددات الطبيعة البشرية وعنصرا من أهم عناصر الثقافة التي يتميز بها الجنس البشري، مثلها مثل اللغة وانتصاب القامة واستخدام الأدوات. والعائلة هي النواة التي يقوم عليها بناء المجتمع. ولتكوين تجمع أكبر من العائلة النووية بإمكان عدد من العائلات التي تلتقي في جد واحد أن تتحد مع بعضها البعض. ويتوقف حجم هذا التجمع على المسافة الفاصلة بين أفراد العوائل النووية التي يتكون منها التجمع وبين الجد الذي يجمعهم. العائلات التي تجتمع في الجد الثالث أصغر بطبيعة الحال من تلك التي تجتمع في الجد الخامس، والتي تجتمع في السابع أكبر منهما، وهكذا إذا أردنا زيادة حجم التجمع ما علينا إلا أن نصعد إلى أعلى في تعداد الجدود وبالعكس إذا أردنا تقليص حجم التجمع. وكلما صعدنا جدا واحدا في تعداد الجدود كلما تضاعف حجم الجماعة. وتختلف نظم القرابة وحجم العائلة وتركيبة الجماعة من مجتمع إلى آخر وفق ما تقتضيه معطيات الإيكولوجيا والتكنولوجيا وأنماط الإنتاج في كل مجتمع. الجماعات الرعوية تتطلب حجما مثاليا يتوافق مع متطلبات الرعي واستغلال موارد الصحراء من الماء والمرعى. فهي من جهة لا ينبغي أن تكون كبيرة الحجم لدرجة تشكل معها عائقا يحد من حرية الحركة والتنقل التي تتطلبها حياتهم، لكنها من جهة أخرى تكفي للنهوض بمهمة القيام على القطيع، الذي يشتركون في ملكيته، وحمايته من الأعداء. وبطبيعة الحال، فإن حجم الجماعة يحدد حجم ما تمتلكه من حلال والذي ينبغي بدوره أن يكون حجما نموذجيا لاستغلال المراعي الصحراوية على الشكل الأمثل، فهو ليس كبيرا بحيث يجور على المراعي ويؤدي إلى تدهورها وليس صغيرا بحيث تبقى بعض المراعي بدون استغلال. وجماعة الخمسة هي الجماعة التي تعطي هذا الرقم النموذجي في الأفراد والحلال. أقرباء الرجل الذين يلتقون معه في الجد الخامس يسمون الخمسة. وأفراد الخمسة يشتركون في الملكية ويتساوون في الدم، بمعنى أنه لو أراق أحدهم دم شخص آخر من جماعة أخرى فإن جميع أقرباء الضحية حتى الجد الخامس ملزمون بالثأر لدم قريبهم وإن لم يدركوا الثأر من المعتدي نفسه بإمكانهم الاقتصاص من أي قريب له يجتمع معه في الجد الخامس. وإذا اضطر القاتل إلى ترك قبيلته واللجوء إلى قبيلة أخرى فإن جميع أفراد خمسته عادة يرحلون معه. ونظام الخمسة نظام طبيعي حيث أنه امتداد لنظام العائلة ويبدو أنه موغل في القدم ومن المحتمل أنه كان النظام السائد بين البدو قبل استئناسهم للبعير، حينما كانوا يقومون على رعي الأغنام، بل قد يكون موروثا من العصور الحجرية ومراحل الجمع والصيد, القبيلة هي مجموعة من الخمسات التي توصلت إلى اتفاقية دفاع مشترك، مع استقلالية كل منها في تسيير شؤون حياتها اليومية. في مجتمعاتنا المعاصرة نعتبر مثل هذا الإجراء تحالفا وندخله في نطاق السياسة ونعطيه مصطلحا سياسيا، لكن المجتمع البدوي لا يفرق تفريقا حادا بين الاجتماعي والسياسي. ولذا يستخدمون مفردات العلاقات القرابية للإشارة إلى العلاقات السياسية ويصبح الحليف ابن عم. استخدم المتحالفون الأصليون مصطلح ابن عم للإشارة إلى بعضهم البعض لأن هذا كان مصطلحا جاهزا فاستعاروه للإشارة إلى أن التزامات الحلفاء واحدهم تجاه الآخر تشبه التزامات أبناء العم الذين ينتمون إلى نفس النطفة. وهذا استخدام مجازي شبيه باستعارة كلمة عم التي تشير إلى العم الحقيقي ليخاطب بها العبد سيده والشاب من هو أكبر منه سنا، مما يعني أن المتكلم يحترم المخاطب مثلما يحترم عمه، وهي بذلك مرادفة لكلمة سيّدي العصرية. كذلك الزوجة تدعو زوجها ابن عم حتى ولو لم يكن كذلك ولكن على افتراض أن المرأة عادة تتزوج ابن عمها. ومثله استخدام المتكلم كلمة ياخوي للتخاطب مع أي شخص في سنه ومقامه أو كلمة بناخي للإشارة إلى أي قريب له، حتى لو لم يكن ابن أخيه فعلا. ولتقريب المصطلح المستعار من دلالته الأصلية قد يعمد المتحالفون إلى محاكاة علاقة القربى كحقيقة بيولوجية محاكاة مجازية بأن ينحروا شاة ويتلقوا دمها الساخن في إناء يغمسون أيديهم فيه.