ذكرتُ في المقال السابق أن المجتمعات الإنسانية محكومة بأشكال مختلفة من أنظمة القرابة، التي تتجاوز علاقات الدم فقط لتمثل مجموعة مترابطة من العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تحكم مجتمع بشري ما. وسأذكر هنا بإيجاز ستة أنظمة مختلفة للقرابة تعدّ هي أسس أغلب منظومات القرابة في العالم، بحسب تصنيف علماء الإنسان والأنثروبولوجيا. النظام الأول: هو نظام الهاواي، الموجود -كما يقترح الاسم- في منطقة البولينشيا. وهو نظام بسيط جداً، حيث يتميز في قلّة استخدامه لمصطلحات القرابة، فهذا النظام يرتكز على الفروقات بين الأجيال، ويدعو للمساواة بين الأب والأم. فجميع القرابة من نفس الجيل، أو الجنس، كالأب، أخي الأب، أخي الأم يُشار إليهم بنفس المصطلح. قرابة الذكور والإناث في جيل الشخص، يتم تمييزهم مصطلحياً، لكن المصطلحات المستخدمة للأخت والأخ هي نفسها المستخدمة لأولاد أخوة الأبوين. وهذا النظام يتيح لأفراد هذا المجتمع اختيار مجموعة الانحدار النسبي التي يرغب الفرد في الانضمام إليها (نسب للأب أو للأم). هذا القرب العائلي يتيح خياراً أوسع للشخص، باختيار أي المجموعات التي يمكن للفرد العيش معها، والتأقلم. النظام الثاني: هو نظام الإيسكيمو. وهو النظام المتبع في الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب بشكل عام. يركّز هذا النظام على العائلة النووية، باستخدام مصطلحات ك(الأب، الأم، الأخت، الأخ، البنت، الابن) التي ليست مستخدمة لأي قريب آخر. خارج هذه العائلة، عدد من القرابة الذين يتم تمييزهم في أنظمة أخرى، يتم تجميعهم هنا كالعمة والعم، والخال والخالة، بالإضافة إلى أبناء العمومة وهم أبناء جيل الأبوين، بغض النظر عن جنسهم، والقرابة الرابطة بينهم، كما يتمّ التركيز بشدة على العائلة البيولوجية (علاقة الدم) للفرد، أكثر من القرابات البعيدة عنه. أما النظام الأوركي، فهو مرتبط بالنسب عن طريق الأم، وفي هذا النظام يتم استخدام نفس المصطلح للأم وأخت الأم، والأب وأخي الأب. وأبناء العمومة المتوازيون يتم استخدام نفس المصطلحات المستخدمة للأخ والأخت. أخت الأب، وأخو الأم يتم تمييزهما عن بقية القرابة، كما هو الحال مع أولاد أخت الأب، وأخي الأم. أما نظام الأوماها، الموجود في المجتمعات ذات النسب الذكوري، كما هو الحال في قبائل الأوماها الأصلية في أمريكا، ففي هذا النظام يتم استخدام نفس المصطلح القرابي المستخدم للأب، وأخي الأب، والأم وأخت الأم. أبناء العمومة المتوازيونParallel Cousins -بنت العم وبنت الخالة- تتم مساواتهم بالإخوة، ولكن أبناء العمومة غير المتوازيين Cross Cousins -بنت العمّة وبنت الخال- تتمّ الإشارة لهم بمصطلح منفصل. وفي هذا النظام يشير الرجل لأبناء الأخ بنفس المصطلح المستخدم لأبنائه. لكنه يشير إلى أبناء أخته بمصطلح مختلف. وتمتد هذه المصطلحات لجميع العلاقات المصنفة كإخوة وأخوات. كما أن هناك التحام للأجيال من جانب الأم. فجميع الرجال المنحدرين من النسب الذكوري ستتم مناداتهم بإخوة الأم بغض النظر عن أعمارهم، أو علاقتهم الجيلية، ولذلك نفس المصطلح المستخدم لأخي الأم، يتم استخدامه لابن أخي الأم. وهذا الالتحام النسبي ليس مستخدماً لجانب الأب. مع أن الأب وإخوته يُشار إليهم بنفس المصطلح القرابي، لكن هذا لا يمتد للأجيال المنحدرة منهم. واستخدام مصطلحات مختلفة لجانب الأم والأب يعني اختلاف وضع الشخص في العلاقة مع القرابة. الاختلافات الجيلية مهمة في جانب الأب، لأن أفراد الجيل المنحدر قد تكون لهم سلطة على الشخص كما هو حال والده، ويتم التعامل معها بشكل مختلف من الانحدار النسبي الذكوري لأفراد نفس الجيل في الإيقو. جانب الأم النسبي غير مهم للشخص في هذا النظام، وهذا ما يجعلهم مجتمعين في مصطلح واحد. وفي نظام الكرو، المرتبط بهنود الكرو في شمال أمريكا. وهو المقابل الأنثوي لمجتمع الأوماها المنحدر ذكورياً. وهذا يعني أن العلاقات من جانب الذكر يتم تجميعها سوية، بينما يتم توضيح الاختلافات من قِبل جانب الأم. في كلا نظامي الأوماها والكرو، الأهمية العظمى للانحدار الأحادي، تقود لتبعية المبادئ الأخرى لتصنيف القرابة، كقرابة العمر، والجيل. وأخيراً النظام السوداني، الذي هو نظام وصفي، للجماعات القرابية التي تستخدمه في إفريقيا، خصوصاً في أثيوبيا. ويتم في هذه النظام استخدام مصطلحات مختلفة لكل قريب، الإخوة، أبناء العمومة المتوازيون من قِبل الأب والأم، وأبناء العمومة المتشابكون من قِبل الأب والأم بشكل منفصل عن أخي الأب، أخت الأب، أخت الأم، وأخي الأم. على الرغم من أن الجماعات المستخدمة لهذا النظام تميل لكونها ذكورية الانحدار، نلحظ أن هناك عناصر أنثوية الانحدار، التي تميّز هذا النظام عن بقية الأنظمة الذكورية.