فن إدارة الحياة مع الناس، مهارة تحتاج إلى الكثير من «الخبرة» و»التجربة» و»القدرة»، كونها أمراً «حتمياً»، فطبيعة خلق البشر جبلت على «التعايش» كمبدأ رئيس لتحقيق «التكامل» والاندماج» البشري للبقاء على هذه الأرض، إلا أن معظم خيبات الأمل التي نمر بها في رحلة الحياة تلك، كان مصدرها دائرة علاقتنا بالآخرين، لاسيما من لدن أولئك الذين منحناهم سقفاً عالياً من «الثقة» ولم يكونوا على قدرها، كثيرون هم من خذلونا في البداية، أو في منتصف الطريق، ولربما قبل خط النهاية. لكل منا تجاربه وحكاياته مع «الخذلان»، هو جزء من منظومة «التوقعات» التي يجب أن يتنبأ بها الإنسان، لكي يهيئ نفسه لاستيعاب ما قد يحدث جراء انهيار ثقته بالآخرين، وليتمكَّن لاحقاً من ترميم ما تركه ذلك بداخله من أثر، قد يستطيع البعض أن يتجاوزه، والبعض الآخر ربما يحتاج إلى مزيد من الوقت، وجرعة مضاعفة لاستعادة ما فقده من توازن «معنوي». المثالية والتعامل بالحسنى لا تعني الإفراط في «الإيجابية»، والتي قد تتحول مع مرور الوقت إلى أن تكون أقرب إلى «السذاجة» في نظر من لا يقدِّر ذلك، فالله عزَّ وجلَّ منحنا «العقل» وميّزنا به عن سائر الخلق، ندرك به «مظهر» الناس من «جوهرهم»، ثق أنه لن يلتمس لك أحد العذر، متى ما تضرّرت من نتاج ثقتك «المطلقة» بمن لا يستحقها، لا بد أن تكون على درجة عالية من «الحكمة» و»الفطنة» و»الحذر» فالأيام حبلى بما لم يكن يتوقّعه أحد. يقول ويليام شكسبير «أحب جميع الناس لكن ثق بالقليل منهم»، إعادة تقييم علاقتنا مع الآخرين وبشكل دوري، أمر لا بد منه، فنحن لا نعيش مع «ملائكة»، بل مع بشر يعتريهم النقص، في أخلاقهم وتصرفاتهم وتعاملاتهم وكل شؤون حياتهم، علينا أن نقف على بعد مسافة ملائمة معهم، وأن لا نخلط بين «الطموحات» والتوقعات»، كما يقول فكتور هوغو «ارفع سقف طموحاتك إلى أكثر مما تستطيع واخفض سقف توقعاتك إلى أقل مما تستطيع». الأهم من ذلك ندرك أن «تقنين» علاقتنا مع من حولنا لا يعني أبداً «إقصاءهم» أو العيش «بمعزل» عنهم. انشغل بنفسك، حاول أن تبني لك حياة «خاصة»، لا يشاركك فيها أحد، ثق بقدراتك، لا تعر الآخرين اهتماماً أكبر مما يجب، اجعل من نفسك محور الاهتمام الأول، حتى لا تكون مجبراً على بناء الظنون الحسنة تجاه من تعتقد أنهم يبادلونك نفس البناء، لا تعبر الجسر قبل أن تتأكد من متانته وقدرته على أخذك إلى الجانب الآخر، النوايا وحدها لم تعد تكفي. تذكر دائماً، أن تحقيق معادلة التوازن في حياتك مع الآخرين، تتطلب أولاً أن ترفع مستوى «الاهتمام» بعلاقتك مع «الله»، هذا المدخل الرباني سيمنحك ثقة كبيرة في نفسك، وستشعر بغنى عن الناس، وعن توقعاتك بهم، «كن مع الله» وكفى.