* خسارة الأصدقاء من أكبر الخسائر التي يتعرض لها البشر في مدارج الحياة، وكذلك خسارة الأقرباء.. غير أن الأسوأ من هذا كله هو خسارة (النفس) أو خسارة خيريتها التي فطرها الله عليها!.. خسارة الصديق -مهما كبرت- هي خسارة لجزء من حياتك، وخسارة القريب -على ألمها- هي خسارة لجزء من وجودك.. أما خسارة النفس (إما ببيع الضمير، أو بالتنازل عن المبادئ والأخلاقيات، أو حتى بالانهزام القسري أحياناً) فإنها ربما تكون خسارة لكل حياتك؛ وكل وجودك! * إن كنت تتساءل الآن: وهل للنفوس أسواق ومتاجر ومزادات تباع فيها بين رابح وخاسر؟! فسأقول لك: نعم.. ثمة أسواق للنفاق والتزلف، وما أكثر الذين أضاعوا نفوسهم فيها، حين باعوا كرامتهم وخيرية نفوسهم، وحملوا المباخر مقابل عرض زائل لم يبق منه سوى الحسرة والندم!.. وأسواق أخرى تشتري الضمائر والقيم والأخلاق، وما أكبر خسارة من تعاملوا معها سواء بالبيع النقدي أو الآجل، فأسقطوا مبادئهم مقابل ثمن بخس!. كلهم خاسرون حتى وإن توهموا غير ذلك! * في عوالم مزدحمة بأشباه الإنسان.. لا تهتم بشيء قدر اهتمامك بالصدق والنزاهة حتى في أدق تعاملاتك مع نفسك.. سترى الكثيرين من أشباه الأصدقاء يتساقطون من حولك.. لا تهتم.. لأنك ستكسب نفسك في النهاية.. ثق بنفسك، ولا تُرهقها بالمقارنة مع من سقطوا، واحذر أن تصب نفسك صبًا في قوالب جاهزة من مقاييس البشر.. فليس بالضرورة أن يُلائمك ما يُلائمهم. * احفظ نفسك بالتعقل والاتزان حتى في أشد لحظات الخصومة.. ولا تنزل إلى حياض اللغو وقبيح الكلام مهما كانت الدواعي.. احرص على ألا تخوض جدالاً مع سفيه فتلوث نفسك وتعطيه فوق حجمه.. ولا تلتفت لحاقد جاهل ولا لحاسد مأفون، فالشرفاء يترفعون عن المعارك القذرة حتى وإن كانوا واثقين من كسبها.. وتذكر أنك لست أفضل من أحد ولا أقل من أحد أيضاً إلا بمقدار ثباتك على قيمك وأخلاقياتك.. * لا تتنازل عن مبادئك حتى وإن خلوت إلى نفسك أو اختبأت خلف أستار الانترنت أو كتبت تحت اسم مستعار، فأن تخسر نفسك أمام نفسك، لا يقل فداحة عن أن تخسرها أمام الناس.. الأدب والاحترام والتعامل الراقي لا يعني أبداً التفريط في ثوابتك، لا تقمع فطرتك الإنسانية في قول الحق.. فأن تكون صادقاً أمام الله وأمام نفسك، أفضل بكثير من أن تكون لطيفاً في أعين الناس. * ثم اعلم أخيرا أنه لا شيء يغيّر الناس، ويقتل الخير في نفوسهم أكثر من شعورهم بالخذلان!. فحتى لا تخسر خيريتك، لا ترفع سقف توقعاتك في البشر كثيراً.. ولا تعلّق استمرارك في طرقات الخير بانتظار رد الجميل من أحد.. اجعل أعمالك خالصة لوجه الله دوماً، فهذا هو العطاء الأجمل.. والأبقى.