طفح موضوع اندماج شركات قطاع البتروكيماويات إلى السطح من جديد كنتيجة مباشرة للمتغيرات الاقتصادية الحادة التي أثَّرَت سلباً على الطلب وأسعار المنتجات البتروكيماوية، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وأثرها المباشر على تنافسية الشركات السعودية في الأسواق العالمية. الرئيس التنفيذي لشركة «سابك» يوسف البنيان، أكد في مقابلة مع «العربية» على أهمية الاندماجات في قطاع البتروكيماويات لما لها من أثر مباشر في تعظيم الوضع التنافسي للقطاع في المنطقة، ومواجهة الشركات الصينية التي تعتمد على الفحم، والشركات الأمريكية المعتمدة على النفط الصخري. «البنيان» أشار إلى أهمية الاستثمار في الأبحاث، والابتكارات التي يمكن أن تزيد من قدرة شركات البتروكيماويات على المنافسة. العمل الاحترافي يقود الشركات للتكيف مع المتغيرات الاقتصادية وتكاليف الإنتاج بعقلانية ومسؤولية، والبدء في مواجهة التحديات من الداخل بدل البكاء والعويل. أحسب أن «سابك» بدأت بالفعل، وبعمليات استباقية، ترتيب وضعها من الداخل للسيطرة على التكاليف ورفع الإنتاجية لخفض انعكاس المتغيرات الاقتصادية وتسعير اللقيم على أرباحها الصافية. وركزت تصريحات رئيس سابك الأخيرة، وبشكل لافت، على البدائل والحلول والتركيز بشكل أكبر على تكاليف الإنتاج، وأدوات المواجهة المتاحة لشركات القطاع، لا سابك فحسب. كتبت في ديسمبر العام 2013 ما نصه: «قطاع صناعة البتروكيماويات من القطاعات التي تشهد منافسة قوية في الداخل والخارج، وهي منافسة قد تهدد كيانات صناعية قائمة، وقد تخلق أيضاً فرصاً للبقاء والنمو والازدهار من خلال الاندماج والاستحواذ. كشفت الأزمة العالمية العام 2008 عن المخاطر المفاجئة التي تعرضت لها المنشآت الصناعية والمالية حول العالم، والتي أرغمت بعضها على الخروج النهائي وفرضت على البعض الآخر خيار الاندماج والاستحواذ لتجاوز الأزمة... محلياً، تسبب انخفاض أسعار البتروكيماويات عالمياً بالإضرار في ربحية الشركات، حيث كانت الشركات ذات المنتجات المحدودة الأكثر تأثراً بالأزمة، أما الشركات الكبرى ذات الملاءة المالية، وتنوع المنتجات فقد نجحت في تجاوز الأزمة بسهولة. اليوم يواجه قطاع البتروكيماويات خطر تغير سعر اللقيم المحلي، وهو إن حدث فسيكون تأثيره الأكبر على الشركات الصغيرة، والشركات غير المنتجة للمواد الأكثر ربحية في الأسواق العالمية. انخفاض الطلب العالمي على المنتجات البتروكيماوية، وزيادة الإنتاج في الدول المستوردة، وقرب تحول بعض الدول الصناعية من دول مستوردة إلى مصدرة للبتروكيماويات كالولايات المتحدة الأميركية من الأخطار المحدقة بصناعة البتروكيماويات والمهددة للشركات. كل ما سبق يجعل من عمليات الاندماج بين الشركات المحلية ضرورة مُلحة لا خيار ضمن الخيارات المتاحة. ومن يبدأ أولاً، فسيكون الأكثر تحوُّطاً للمتغيرات المستقبلية، والأكثر حرصاً على حماية الكيان، واستثمارات حملة الأسهم». شكّلت محاولة اندماج شركتي «سبكيم» و «الصحراء» بداية الاندماجات النوعية التي لم يكتب لها النجاح لتعقيدات بيروقراطية، وحملة التشكيك التي أثّرت على قرارات حملة الأسهم، إضافة إلى حصص اللقيم المخصص للشركتين وإمكانية تقليصه بعد الاندماج. كان من الممكن للحكومة ممثلة في وزاراتها ومؤسساتها المعنية دعم الاندماج، وتسهيل إجراءاته، وإزالة المعوقات من أمامه لما فيها من انعكاسات إيجابية على القطاع والاقتصاد بشكل عام، غير أن محدودية الرؤية الحكومية كانت سبباً يُضاف إلى أسباب عرقلة الاندماج الأول في قطاع البتروكيماويات. قد يُشكّل الاندماج، مع المتغيرات الاقتصادية، الحل الأمثل لمشكلات بعض الشركات المحلية في غالبية قطاعات الاقتصاد، لا البتروكيماويات فحسب. قطاع المصارف والتأمين من أهم قطاعات الاقتصاد المعنية بالاندماج من أجل تشكيل كيانات أكبر، أو لمعالجة مشكلات الملاءة والربحية وتحقيق التنافسية حين فتح السوق للشركات العالمية. أهمية اندماج شركات قطاع البتروكيماويات التي تحدث عنها رئيس سابك ربما شكّلت تحذيراً مبطناً لما قد تلاقيه تلك الشركات مستقبلاً، في حال تجاهلها خيارات المواجهة المتاحة اليوم. وإذا كان، حملة الأسهم ومن يمثلهم في مجالس إدارات الشركات، معنيين باتخاذ القرارات الإستراتيجية لمواجهة المخاطر المستقبلية وتعظيم الربحية، فالحكومة أيضاً معنية بالمحافظة على مكتسباتها الاقتصادية من خلال الدعم والتوجيه وربما التحفيز على اتخاذ قرار الاندماج للشركات التي يغلب الظن على حتمية مواجهتها مشكلات مالية وتشغيلية مستقبلاً.