تتعثر الكلمات في التعبير عن الوفاء لنماذج أنفقت عمرها في خدمة المجتمع والإنسانية عبر منابر التربية والتعليم والإبداع. من بوابة الأدب تعليماً وتعبيراً انطلق صوت الأستاذ/ محمد بن سعد بن حسين عبر فصول «المعهد العلمي بالرياض» أستاذاً للأدب العربي فيه وعبر (منبر المعهد العلمي) الذي يشهد لأستاذنا ابن حسين بالبلاغة والبيان من خلال إلقاء الكلمات والقصائد المعبّرة التي لا زالت أصداؤها باقية في نسيج الذاكرة وأعماق الوجدان لدى تلامذته وزملائه من الأساتذة، تثيرها شجون كل ذكرى تربطنا بالوطن والماضي، ورؤى المستقبل. من تلك القصائد المعبّرة قصيدته عن الرياض التي أنشدها من الأعماق قائلاً: هواك وإن رثّ الزمانُ جديدُ وحبّيك: حبٌّ طارفٌ، وتليدُ أحاديثهُ أحلامنا وشبابنا فمكروره في مسمعيّ نشيدُ أعيش على طيف الوصال، وإنّما نصيب فؤادي من هواكِ صدودُ بلادي، وما أبغي لها من صفيّة وهيهاتَ! أنىّ للرياض نديدُ هواي بهاثرُّ المنابع، ممرعٌ وعهدي بها بكْرَ الأصائل، عيدُ قضينا بها زهر الشباب، وصُحبتي بها معشرُ زهر الطلائع صيدُ إذا ما انتفى حلْو الأحاديث ذكرهم تمنىّ شذاها نرجس وورودُ وما تنطوي عليه نفس أستاذنا محمد بن حسين من محبّة وإخلاص، ومصداقية تغرسُ في نفوسنا وشيجة حبّ الوطن المرتبطة بحبّ مادّة الأدب الذي يمحضه دفق مشاعره ونبض إحساسه فيتّصل نشيده عن الوطن، وهو يعيشه مسكوناً بهواجسه وأفكاره، وتجلّياته: غنّيتُ نجداً أحاسيسي، وأفكاري وصغتُ في مدحها نثري، وأشعاري أزجي إليها أناشيداً مضمخّةً بالحبّ، في كلّ حينٍ، فهي مزماري لا يعذُب اللّحن إلاّ في مرابعها أو يطرب الشّدو إلاّ وهْي قيثاري علّقتُها في أحاديث الجدود هوى مشبوبه في فؤاد الصبّ كالنار وعشتُه في الصّبا والشيب أمنيةً كالنور لألأوهُ في هام أزهارِ وظلّ همّ الأدب والوطن ملازماً له حتى وهو يصل طموحه نحو الارتقاء في هذا الميدان في دراسته العليا للماجستير والدكتوراه بالأزهر حيث كان هناك عام 1395ه عند تأسيس النادي الأدبي بالرياض فلم يتمكن من الحضور فنسج قصيدته بعنوان (منتدى الأصحاب) قبل أربعين عاماً يعبّر فيها عن وجْده وحنينه ومشاعره المتدفقة بالحب والوفاء والشّوق إلى الحضور. أدرْ ذكر من أهوى، فقد شفّني الوجْدُ وحالتْ قفار دونَ من دارُه نجْدُ يذكرّه نجداً عليل نسيمه ويشغله عن ورده الشيحُ والندُّ دعاني مما أشتكى من صبابة بنجدٍ، وما ألقاه في جفني السُّهْدُ وخفف من الأوصاب بالشدْو معلناً سرورك، إن قامتْ تبادلُكَ الأسْدُ تحيّات مزهوٍّ بجمْع مثقّف أمانيه أن يحدو بأحلامه السّعْدُ ومن خلال استعراض سيرة أستاذنا الدكتور/ محمد بن سعد بن حسين ومسيرته يتبيّن مدى وفائه واهتمامه المكثّف باختصاصه الأدبيّ والعلمي، وإخلاصه له في ميدان التربية والتعليم والتوثيق، والمناقشة والتأليف، وحرصه على خدمة الأدب والوطن في أعماله وبرامجه الثقافية في الجامعة والإذاعة، والنشر. والبرنامج الإذاعي الذي كان يعدّه لإذاعة الرياض بعنوان (من المكتبة السعودية) شاهدٌ على برّه وصلته للفكر والثقافة وأهلها، والكتب التي أصدرها، والبحوث التي نشرها، والرسائل التي ناقشها تشهد له بالحضور الواعي والفعالية المتّصلة، والتوتّر الإيجابي الفعّال لخدمة المجتمع في الحياة مما يحّرض على تقديره وتكريمه وفاءً لشخصه الكريم نحو ما بذله من جهد ووقت نتج عنها أعمالٌ تبقى معبّرةً عن الحضور الأثير لرجلٍ عاش عصره بكل فعالية وصدق انتماء، وقد كان معجباً بشخصية الأديب الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، وأسلوبه، وريادته ومبادرته إلى فتح أبواب التعليم لفئات الشعب المصري جميعها دون مقابل، وتحديثه التعليم في مصر، وحقق أستاذنا د. محمد بن حسين أشتاتاً من طموحه في تطوير التعليم الخاص للمكفوفين في معهد النور مع زملائه عبد الرحمن العبدان، وعبد الله الغانم وعبد الرحمن بن سالم الخلف، وكان له دوره المكثف في غرس الأدب في نفوس تلاميذه بالمعهد العلمي حين كان يعلّم «مادة الأدب» حيث أشرع لأبنائه الطلبة نوافذ الحوار والمناقشة للوصول إلى الفهم الصحيح للثقافة والأدب، وواصل تعليمه بالدراسات العليا، ومناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه الكثير من الدارسين. شواهد من أعماله المنشورة: 1. الأدب الحديث في نجد. 2. الشيخ محمد بن عبد الله بن بليهد، وآثاره الأدبية. 3. المعارضات في الشعر العربي. 4. الشعر السعودي بين التجديد والتقليد. 5. محمد سعيد عبد المقصود خوجه (حياته وآثاره). 6. حافظ إبراهيم (نظرات في شعره). 7. المدائح النبوّية بين المعتدلين والغلاة. 8. الجغرافية الأدبية (ثلاثة أجزاء). 9. الشعر الحديث بين المحافظة والتجديد. 10. الشاعر حمد الحجّي. 11. أصداء وأنداء (ديوان شعر). وبما أنّ ديوانه الوحيد الصادر بعنوان (أصداء وأنداء) في طبعته الأولى عام 1408ه لا يضُّم جميع شعر الشاعر أ.د. محمد بن سعد بن حسين فأرجو أن تصدر مجموعته الشعرية الكاملة قريباً تقديراً ووفاءً له مضافاً إلى ما لم يصدر من كتبه وبحوثه القيمة التي لم تنشرْ عن الأدب العربي، وأعلامه، وروّاده ومختارات منتخبة من حلقات برنامجه الإذاعي (من المكتبة السعودية) لتكون مرجعاً يستفيد منه الباحثون، وعشّاق الأدب والثقافة تغمّده الله برحمته وجزاه خيراً عما قدم لأمته ومجتمعه وأبنائه وتلامذته الذين يقدّرون خدمته المثلى للأدب والوطن.