مات والدي وهو يحلم بالتكريم بالجوائز التقديرية، التي حرم منها بسبب الأهواء والشللية. بهذه الكلمات المعبرة التي قالها اللواء مهندس عبدالحميد محمد بن حسين اختتمت بها ليلة الوفاء، التي أقامها نادي الرياض الأدبي عن الراحل الدكتور محمد بن سعد بن حسين -رحمه الله- أمس الأول. وبيَّن أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إبراهيم الشتوي أن الراحل ابن حسين كان يفتخر ويعتز بأنه طه حسين السعودية ويوصي بقراءة كتبه ونتاجه الأدبي رغم أنه أحد أساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، التي كانت تأخذ موقفاً سلبياً منه، ويعتبرون قراءة كتبه غير محببة وبها لوثة فكرية. وشدد رئيس نادي الرياض الأدبي الأسبق الدكتور محمد الربيع أن الراحل حرص على الأدب السعودي، خاصة الأدب في نجد حيث فرض تدريس الأدب السعودي بصفة مستقلة في المقررات الجامعية ومناقشة الرسائل العملية به وتسجيله، مشيراً إلى أن الراحل حينما كان في مصر سفيراً للأدب السعودي كانت له علاقات واسعة مع كبار الأدباء المصريين والأزهريين، مطالباً بجعل مكتبته العامرة في مسقط رأسه وقفا، وإعادة طباعة كتبه ومطالباً بأن تقوم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بإصدار كتاب تذكاري علمي وإنشاء جائزة علمية باسمه تخصص للأدب السعودي. وأشار الدكتور محمد العوين إلى أن الراحل ابن حسين شد إعجاب الملك سعود بذكائه حينما ألقى قصيدة بلغة «برايل»، مبيناً «أننا لم نقدر جهده ولم ينل حظه ونصيبه من التكريم بجائزة الدولة التقديرية أو الشخصية الثقافية في مهرجان الجنادرية، حيث كُرّم تلاميذه ونسي هو». وأشار العوين إلى أن الرحل دافع وناضل عن الأدب السعودي وأحياه وإثراه كاشفاً أنه كان ينوى إصدار مجلة أدبية مختصة بالأدب السعودي إلا أن وزارة الإعلام لم توافق حينها. وتناول العوين برنامجه الإذاعي الشهير «من المكتبة السعودية»، الذي كان يعدّه الراحل، حيث كان ضمن خدمته للأدب والكتاب السعودي، قدم أكثر من ألف حلقة إذاعية، أسهم من خلالها في التعريف بما تحفل به مكتبة بلاده من النتاج الأدبي والفكري والعلمي، وقد وصفه زملاؤه وطلابه بالعالم الموسوعي، حيث يعكس إنتاجه، من تأليف ومحاضرات وإشراف على الرسائل العلمية، قدرته على التقصي والبحث، ناهيك بحضوره في مجال الشعر من خلال ديوانيه: «هوامش الذات»، و»اشتعالاً تعالية»، وقد بلغ مجموع صفحاتهما نحو 1500 صفحة. بعدها تحدث أستاذ اللغة في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور محمد القسومي بورقة تحت عنوان «الحنين إلى الماضي في شعر ابن حسين»، وما قال: الحديث عن أستاذ الجيل الدكتور محمد بن حسين لا يمكن أن تستوعبه قراءة عابرة كهذه، وأشار إلى أن ابن حسين عالم ذو صبر وجلد ومرب يحنو على تلاميذه ويفتح أمامهم آفاقاً من العلم والمعرفة وشاعر له روح الفنان يتسم بالشفافية التي تقوده إلى التفاعل مع مجتمعه وحياته والإفضاء بمشاعر رقيقة تنم عن نبله ووفائه وهو من أسرة ذات علم وجاه، وأضاف: تنقل ابن حسين بين أماكن كثيرة في نجد والحجاز ومصر طلباً للعلم، وأصبح ناقداً يشار إليه بالبنان وأحد وجهاء المجتمع، ونشر ديوانه الأول (أصداء وأنداء) عام 1408ه في خمس مجموعات: (دعاء، وأصداء، وشموع، ودموع، وأنداء) ويضيف: لقد لاحظت من خلال قراءة المجموعتين اللتين استهل بهما الديوان أن الماضي هو الزمن الذي يبدو تجذره في ذاته الشاعرة، وألمح القسومي إلى أن ابن حسين من أكثر شعرائنا السعوديين التفاتاً إلى مراتع الصبر وإلى الأماكن التي تنقل فيها. يذكر أن الراحل ابن حسين أول سعودي تعلم طريقة «برايل» للمكفوفين في بلاده، وإلى جانبها أيضاً تعلم الضرب على آلة المبصرين قبل أكثر من ستين عاماً، كما سجل اسمه كأول مؤسس لمدرسة تعليم المكفوفين قبل 58 عاماً، كما أسهم في فتح مدرسة ابتدائية ليلية لأبناء منطقته قام بالتدريس فيها هو وزملاؤه بالمجان في التاريخ ذاته.