تتأمل خيوط الشمس المشعة التي تتسلل من خلال نافذة صغيرة علقت على حائط، عبّر الزمن عليها بقايا وأثر. تمد يدها بين شعاع الشمس تداعبه، تتقن تأمله في منتصف النهار ولا تعرف كيف تغتسل به، ثم تأخذها الأفكار في رحلة الأمس، تبتسم عن ثغر يفتقر إلى بعض أعواده البيضاء والبقية استحالت إلى سواد. بقيت تعد السنين منذ ودعته؛ ليجلب لها طموحه الذي أفنت معه سنين من عمرها، فطافت بعضاً من ذكريات..، حينما دخلت غرفتها وقع بصرها على تلك المرآة، دوى صوته في داخلها حنيناً تولد فجذب كل الحب الدفين، فأشعل نيرانه وهبت كلماته تنفخ فيه. توهج الألم شوقاً، فسرت جداول اليأس حتى شقت طريقاً رمت بالأمل بعيداً مع الأيام؛ فتوارى حنينها بين جبال الماضي، جاءها صوته ينبش في عمق الألم، تذكرت حروفه وهي تمسك بالمرآة وتستدير أثناء تمشيط شعرها المشوب ببياض اللبن وحمرة الحناء. ابتسمت لضحكته التي تردد صداها في دوحة ذاكرتها وقتئذ رآها، وقالت: والتجاعيد يا بني! آه يا أماه تقصدين..!! لا عليك.. عصف الفؤاد بآهة نبعت من واد سحيق منه. امتلأ خط برلين بصفائح الدموع التي غسلت وجهها ودثرت وجنتيها تمتمت: الله يجمعني بك. الوهن قضم على بعض من جسدي والحنين يزداد عمقاً في داخلي ولقاؤنا ما يزال يشاطر الحلم تجوالاً. دُق الباب، أسرعت - من؟ - افتحي أنا.. - آه ساعي البريد - أهلاً، أهلاً وقبل أن يقول شيئاً، تبادره بقولها: - هيا أخبرني، بل اقرأ، اقرأ يا بني - أبشرك هذه رسالة منه: تستعجله.. - سأقرأ، لا عليك - هيا اسرع - نعم، فتح قرأ.............! أبشر، سيأتي في العام القادم! تيبست الكلمة على الشفاه، وسقطت مغمى عليها. حنين قطف ثمار الدقائق، وسراب تشربت به أيامها.