إني معزيك لا أني على ثقةٍ من الحياة ولكن سنَّة الدين فما المعزَّى بباق بعد ميتتهِ ولا المعزِّي ولو عاشا إلى حين أما بعد: أيها الأمير الهمام: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، الذي بشَّر عباده الصابرين بأكرم بشارة {وبشر الصابرين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }. ثم توالى إكرامه على أولئك المحزونين فوعدهم بجزيل الأجر وعظيم المثوبة {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}. صاحب السمو الملكي: وقفت أذود الحزن عنك ومن أنا؟ وأنت رفيع القدر والدرجات ولكنه الحب الذي في جوانحي على القلب يملي هذه الزفرات أيها الأمير: عظم الله لك الأجر في الفقيدة الكريمة، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، ثم إن أنفسنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله المستودعة، وعواريه المستردة.. متع الله بالأمير في غبطة وسرور. إن مما يسلي الفؤاد، أن جعل الله الموت حتماً على خلقه ثم سوى فيه بينهم (كل نفس ذائقة الموت). يا سليل الفهد الفذ: كل شيء في هذه الحياة إلى أفول، أرأيت -يا رعاك الله- تصرُّم الأيام، وتبدل الفصول، وتعاقب الليل والنهار، بل هل رأى الأمير الشمس وقد أذنت بالمغيب وقت الأصيل بعد أن غمرت الأرض بدفئها؟ والقمر وهو يودع بعد أن أفاض على الكون بسناه المنير وضوئه المتلألأ؟ ثم هل رأيت ذبول الروض واصفراره بعد رونقه ونضارته؟! أيها الأمير: هكذا هي الحياة كأحلام النائم، وكالظل الزائل، دار ظعن وليست بدار إقامة. على ذا مضى الناس: اجتماع وفُرقَة وميت ومولود، وبِشْر وأحزان غير أن في الله خلفاً من كل هالك، وعزاء من كل مصيبة، ودركاً من كل ما فات، وبرسول الله الأسوة الحسنة والقدوة، وكل خطب إذا ذكرت وفاته -صلى الله عليه وسلم- صغير، وكل رزء بعده هين يسير، وفي بقاء أميرنا المحبوب وأسرته الكريمة وإخوته الميامين أبناء الملك الفهد، في بقائهم عوض عن كل ذاهب. إذا أنت عشت لنا بعدهم كفانا وجودك ما نفقد أيها الأمير: ما عسى أن يسع موجز القول من سيرة الأميرة الراحلة، وإني لأحسبها قد أوتيت توفيقاً من الله في أمرها كله، وأول أمارات ذلك: انتماؤها للملك فهد بن عبدالعزيز، ونشؤها في كنفه تنهل من موارد ذكائه وعبقريته، وترد من حياض فضله وفضائله، فحازت هي وإخوتها شرف الأبوة العظيمة، وجلالة القدر، وفخامة الشأن. وثاني امارات توفيق الله للفقيدة الكريمة ما تمتعت به من حسن الشمائل وجميل الفضائل، وهي -لعمر الله- صفات أعظم من أن تدبجها عبارة، أو يخطها يراعه، فهي -رحمها الله- ذات تواضع جم، وأدب رفيع مع صفاء سريرة وحسن طوية، وأياد بيضاء سخية طوقت بالخير أعناقاً، ونفس كريمة صافية لا تحمل حقداً ولا تنسى فضلا. أيها الأمير: عزاؤنا جميعاً أن هذا الطريق مطروق، وأن هذا السبيل مسلوك، فهي سابقة إلى رحمة ربها، ونحن في إثرها لا حقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون. رحم الله الأميرة كريمة الفهد الأميرة لطيفة، وأفاض عليها من ألطافه، وأغدق عليها من رحماته، ورفع منزلتها ووالديها في عليين، وجبر مصاب أميرنا سلطان، ومتعه وأبناءه بالسلامة والعافية وطول العمر على طاعته تعالى. جزاكِ إلهُ الناس عنَّا جزاءه وجاءكِ بالغفرانِ والرحماتِ ولازلتِ في روضٍ -بقبرك- طيبِ تُزاد من الجنات بالنفحات