الحمد لله المتفرد بالدوام والبقاء المنزه عن العدم والفناء أحمده تعالى على قضائه وقدره وصفاء الأمر وكدره، وأشكره على حال السراء والضراء والشدة والرخاء، وأسأله الصبر على مر القضاء، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، ولا أنداد ولا شركاء، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبدالله ورسوله إمام الحنفاء وسيد الأصفياء صلى الله عليه وعلى آله الأتقياء الأنقياء وصحبه بدور الاهتداء وأنجم الاقتداء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء، وسلم يا رب تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا أيها الاخوة الأكارم: ما كان حديثاً يفترى ولا أمراً يزدرى أن هذه الدار دار امتحان وابتلاء {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} وأن حقيقتها ظلٌ زائل وعرضٌ حائل، يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار: ومن يذق الدنيا فإني طعمتها وسيق إلينا عذبها وعذابها فلم أرها إلا غروراً وباطلاً كما لاح في أرض الفلاة سرابها معاشر القراء: الحقيقة الحاضرة الغائبة أن الموت في هذه الدنيا نهاية كل حي وختام كل شيء {كل من عليها فان ٭ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}: وما الدهر إلا كر يوم وليلة وما الموت إلا نازل وقريب كأس الموت المترعة يتجرعها كل البشر {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} تحسى مرارته الأنبياء والأولياء والعظماء والعلماء والزعماء والنبلاء بل كل صغير وكبير وغني وفقير ومأمور وأمير: حكم المنية في البرية جاري ما هذه الدنيا بدار قرار فالعيش نوم والمنية يقظة والمرء بينهما خيال ساري خلقنا للحياة وللمات ومن هذين كل الحادثات ومن يولد يعش ويمت ك أن لم يمر خياله بالكائنات قضاءٌ نافذ وحكمٌ شامل وأمرٌ حتم لازم لا مهرب منه ولا مفر {إلى ربك يومئذ المستقر} {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}. أيها الإخوة الفضلاء: ولئن كانت مصيبة الموت بعامة كبيرة والفاجعة بالفقد عظيمة، فإن الرزية تكون أعظم وقعاً وأكبر أثراً حينما تكون بفقد ولي أمر المسلمين وإمامٌ عظيم من أئمة الإسلام وقائد فذ من أبرز قادة الأمة الإسلامية: لعمرك ما الرزية فقد مال ولا شاة تموت ولا بعير ولكن الرزية فقد شهم يموت بموته بشرٌ كثير وما كان قيس هُلكه هُلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما يؤكد ذلك أيها المسلمون في الوقت الذي: طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ فزعت فيه بآمالي إلى الكذب شرقت بالريق حتى كاد يشرق بي في حدث هزنا خبره وأفزعنا نبأه خبر عزّ علينا مسمعه وأثّر في قلوبنا موقعه، خبر تألمت له المسامع وسُكبت من أجله المدامع وارتجت من هوله الأضالع، نبأ كادت له القلوب تتفجع، والنفوس تتوجع، فقد كان من الحزن أن تعجز الألسنُ عن ذكره وتتضاءل الكلمات عن وصفه نبأ أشخص النظرات وأذرف العبرات وأورث الحسرات وأطال الزفرات من أكباد حراء، ومُقل شكرى، وأنات تترى: يا لوعة لا يزال لاعجها يقدح نار الأسى على الأكباد من لقلب شفه الحزن ولنفس ما لها سكن إنه الخطب العظيم والمصاب الجلل والفاجعة العظمى والداهية الدهياء، في فقد الأمة إمامها وولي أمرها، فعليه فلتبك البواكي رحمه الله رحمة الأبرار وألحقه بعباده المصطفين الأخيار، وأسبغ عليه الرحمة والغفران وأمطر على قبره شآبيب العفو والرضوان، وجعل مستقره الفردوس الأعلى في الجنان، وجمعنا وإياه وسائر المسلمين والصديقين والشهداء والصالحين، ورفع درجته في المهديين وبوأه الدرجات العلى في العليين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، وجزاه خير الجزاء على ما قدّم للإسلام والمسلمين، وأثقل بها له الموازين، اللهم آمين، اللهم آمين. اخواني الأعزاء: ومع فداحة المصيبة وعظم الفجيعة فلا يملك المسلم حيالها إلا الرضى والتسليم، والتدرع بالصبر والاحتساب: اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن الموت غير مخلد وإذا أتتك مصيبة تشجّى بها فاذكر مصابك بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) فلم يعرف التاريخ فجيعة أعظم من فقد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته فيَّ». فلله ما أعطى ولله ما جزى وليس لأيام الرزية كالصبر هوّن عليك ولا تولع بإشفاق فإنما مآلنا للوارث الباقي كما ينبغي يا رعاكم الله حسن العزاء، وعدم التسخط والجزع: أيتها النفس أجملي جزعاً إن الذي تحذرين قد وقعا عزاء ليس يلفظه جازع ورثاء ليس ينطقه طامع إني أعزي لا لأني على ثقة من الحياة ولكن سنة الدين ليس المعزي بباق بعد ميته ولا المعزَّى وإن عاشا إلى حين اخواني القراء الأكارم: ولئن غاب فقيد الأمة في شخصه وذاته فإنه لم يغب في أفعاله وصفاته: قد مات قومٌ وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات لعمرك ما وارى التراب فعاله ولكنه وارى ثياباً وأعظما فلله دره ما أجمل صنائعه وما أجلّ مكارمه، فلقد كان نسيجاً وحده وطرازاً بمفرده: ردّت صنائعه عليه حياته فكأنه من نشرها منشور فإن يك أفنته الليالي فأوشكت فإن له ذكراً سيفني اللياليا شاهد ذلك بجلاء تلك الأعمال الفريدة، الحرمان الشريفان حرسهما الله اللذان شهدا في عهده رحمه الله أكبر توسعة عرفها التاريخ، وملايين النسخ من المصحف الشريف طبعت ووزعت في جميع أقطار المعمورة. سائلوا المساجد والمدارس والجامعات والمراكز الإسلامية والصروح الحضارية ومعاقل التعليم وقلاع التربية فستنطق شاهدة على أعماله الجليلة ومآثره العظيمة. فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان تبكيه - رحمه الله - قضايا المسلمين الكبرى وفي مقدمتها قضية فلسطين والأقصى والأقليات الإسلامية في شتى أنحاء العالم، فسجّل يا تأريخ وسطري يا أقلام واشهد يا عالم واكتبي يا مداد بأحرف من نور، وفاء بحقّ الفقيد وذكر محاسنه أداءً لبعض حقه علينا رحمه الله رحمة واسعة: فالمشرقان عليه ينتحبان قاصيهما في محزن والداني يا خادم الحرمين أجر مجاهد في الله من خلد ومن رضوان أيها الاخوة القراء الفضلاء: وفي خضم المآسي والآلام تبرز فلول الآمال وفي طيات المحن تبدو المنح ومن مخاض الأتراح تتولَّد الأفراح، يقال ذلك تحدثاً بنعم الله وتذكيراً بآلائه فمع لوعة الفراق تم الوفاق والاتفاق ومع أسى الوداع تم الاعتصام والاجتماع في مظهر فريد ونسيج متميز، ومنظومة متألقة من اجتماع الكلمة ووحدة الصف والتفاف الأمة حول قيادتها بأعين دامعة وقلوب مبايعة، ومبادرة للبيعة الشرعية على الكتاب والسنة: بسلاسة وانسيابية ويسر وتلقائية، قل أن يشهد لها التاريخ المعاصر مثيلاً.. وهذا بحمد الله ومنه يعد من عاجل البشرى وصالح العقبى في عصر اتسم بالتموجات والاضطرابات مما شفى صدور المؤمنين، وخيّب ظنون المرجفين الذين يساومون على استقرار هذه البلاد المباركة، ويراهنون على أمنها وثباتها ورسوخها، مما يؤكد مكانتها ويبرز ريادتها إسلامياً وعالمياً ودولياً، وانها لا تزداد مع أحلك الظروف ومع أشدِّ الأزمات إلا حميمية وتماسكاً وتلاحماً، فلله الحمد والمنة، وبهذه المناسبة فإننا نجدد البيعة الشرعية لولاة أمرنا وفقهم الله على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيعة مخلصة وولاءً صادقاً على السمع والطاعة بالمعروف في العسر واليسر والمنشط والمكره، امتثالاً لأمر الله عز وجل واستناناً بسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. يقول الله عز وجل: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} قال أهل العلم: وهذه الآية وإن كانت نزلت في بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن البيعة لمن بعده من ولاة أمر المسلمين داخلة في عمومها، وهذه الآية الكريمة نص في وجوب البيعة وتحريم نقضها ونكثها: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما} ويقول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم في صحيحه: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، وفي حديث عبادة رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا و منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله» الحديث خرجه مسلم في صحيحه،، فالبيعة قررتها الشريعة وأوجبتها نصوص الكتاب والسنة وحكى الإجماع عليها غير واحد من أهل العلم، فهي أصل من أصول الديانة، ومعلم من معالم الملة، ومنهج السنة يوجب التزامها والوفاء بها، لأنها أصل عقدي وواجب شرعي، يقول الإمام النووي رحمه الله: «وتنعقد الإمامة بالبيعة». ويقول العلامة الكرماني: «المبايعة على الإسلام عبارة عن المعاقدة والمعاهدة عليه»، ولذلك فإننا نوصي المسلمين جميعاً بلزوم البيعة لولي الأمر على كتاب الله والسنة ومنهج سلف الأمة، الا وإن مما أبهج نفوس المسلمين تلك الكلمات النورانية المؤثرة لولاة أمرنا وفقهم الله وتأكيدهم على لزوم العقيدة وتحكيم الشريعة، وإحقاق الحق وإرساء العدل، واتخاذ القرآن دستوراً والإسلام منهجاً مما يسدّ الطريق أمام المصطادين بالمياه العكرة في جر هذه البلاد المباركة عن ثوابتها الشرعية، وزحزحتها عن أصولها ومبادئها الإسلامية: إذا مات منا سيد قام سيد قؤول لأقوال الكلام فعول ولا غرو فهم قد ورثوا المكارم كابراً عن كابر، أعانهم الله ووفقهم لما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، وجعلهم خير خلف لخير سلف، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. الله إنا نسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت أن تحسن عزاء الجميع، وأن تخلف عليهم الخلف المبارك، وأن تجبر المصاب وتغفر للفقيد، والحمد لله على قضائه وقدره، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وإن العين لتدمع والقلب ليحزن على فراق فقيد الأمة، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. وإننا نرفع باسم المسلمين جميعاً أحر التعازي وأصدق المواساة الى مقام ولاة أمرنا وفقهم الله والأسرة الكريمة وأبناء هذه البلاد خاصة وأهل الإسلام بعامة سائلين الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يلهم الجميع الاحتساب والصبر، وأن يعظم لهم المثوبة والأجر، ولا يرى الجميع مكروهاً في عزيز لديهم، كما نسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلي أن يرحم فقيد الأمة الإسلامية، ويجزه خيراً كفاء ما أبدى، ولقاء مما اسدى وجزاء ما قدّم وأعطى.، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ٭ الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ٭ أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}. إنا لله وإنا إليه راجعون.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. إنا لله وإنا إليه راجعون. ٭ إمام وخطيب المسجد الحرام