يوم الأربعاء الماضي كان موعده مع القدر، إنه القدر المحتوم والمكتوب على كل العباد في هذه الدنيا، حيث غادرنا إلى الدار الآخرة أحد أبرز رموز الأدب والشعر والتوثيق الشعبي في الجزيرة العربية والذي ألف عشرات الكتب التي ستبقى خالدة من بعده، فهو من الأدباء الرواد الكبار الذين سنظل نتذكرهم بهم بكل فخر واعتزاز. غنه الأديب والشاعر السعودي البارز (عبد الله بن محمد بن خميس العامري) الذي ودعنا بعد معاناة مع المرض الذي لم يمهله طويلا عن عمر ناهز الثانية والتسعين قضاها في التنقيب عن البحث العلمي الجاد والأصيل حول تاريخ وتراث المملكة العربية السعودية بشكل خاص والجزيرة العربية بشكل عام. عبد الله بن خميس ومسيرة الإبداع الحديث عن الأديب والشاعر السعودي الراحل عبد الله بن خميس حديث ذو شجون، فهو لم يولد شاعرا في مجال الشعر الفصيح بل كتب وبرع أيضا في كتابة الشعر النبطي أو العامي أو الشعبي كما يسمى، كما أن حبه لمسيرة الأدب والشعر في الجزيرة العربية جعله مولعا في البحث والتنقيب عن الشعر الشعبي القديم الذي كان شائعا قبل عدة قرون في شتى أرجاء دول الجزيرة العربية، وهو يعتقد - كما أخبرني - أن جذور هذا الفن تمتد إلى أكثر من 600 سنة تقريبا أو تزيد على ذلك. ومن حسن حظي أنني التقيت بالعلامة عبد الله بن خميس حوالي سنة 1988م عندما زرته في بيته الخاص بمدينة الرياض وحينها كنت أجمع المادة العلمية حول دراستين مهمتين هما: دراسة عن شاعر قطر الراحل محمد بن عبد الوهاب الفيحاني (1907 - 1939)، ودراسة أخرى عن رقصة الحرب (العرضة) في جزيرة العرب وجذورها التاريخية وكيف وصلت وانتشرت في دول الجزيرة العربية. ولا زلت أتذكر تلك الحفاوة والابتسامة التي قابلني بها، كما كان يشجعني على السير قدما في البحث والتنقيب عن الأدب الشعبي في دول المنطقة الذي لم يدون بأكمله حتى الآن، وأتذكر أنه كان صريحا معي، وهذا هو ديدنه في استقبال ضيوفه من الأدباء والمهتمين والباحثين في شتى الجوانب البحثية ومنها مجال الأدب الشعبي. وقد قمت بتسجيل مقابلتي معه على (شريط كاسيت) لا زلت أحتفظ بها حتى الآن، فقد تحدثنا في ذلك اللقاء عن الكثير من قضايا وفنون الأدب الشعبي ومنها تحديداً: - الشعر الشعبي. - رقصة الحرب أو (فن العرضة) كما تسمى. - أبرز شعراء النبط في الجزيرة. - شاعر قطر الراحل محمد الفيحاني.. وغير ذلك من الموضوعات المختلفة. مؤلفاته وآثاره العلمية ألف الفقيد عشرات الكتب في مجالات النقد، والأدب، والشعر (الفصيح والنبطي)، واللغة، والسياسة، والتاريخ، والحياة الاجتماعية والتراجم، كما برع في تأليف الكثير من المعاجم التي جعلته في مصاف الأدباء الذين يشار إليهم بالبنان عند الحديث عن مثل هذه الأعمال الإبداعية التي لا يجيد الكتابة فيها إلا القليل من الكتاب والأدباء في هذا العصر. وأهم مؤلفاته العلمية كما تذكر بعض المصادر: « تاريخ اليمامة» وهو من سبعة أجزاء، و»المجاز بين اليمامة والحجاز»، و»على ربى اليمامة» و»من القائل»، و»معجم اليمامة»، و»معجم جبال الجزيرة» و»معجم أودية الجزيرة» و»معجم رمال الجزيرة» و»راشد الخلاوي» و»الشوارد» و»من أحاديث السمر» و»الدرعية» و»شهر في دمشق» و»محاضرات وبحوث» و»من جهاد قلم» و»فواتح الجزيرة» و»أهازيج الحرب أو شعر العرضة» و»الأدب الشعبي في جزيرة العرب» و»بلادنا والزيت» و»الديوان الثاني» و»رموز من الشعر الشعبي تنبع من أصلها الفصيح» و»جولة في غرب أمريكا» و»تنزيل الآيات» و»شواهد الكشاف».. وغيرها. ابن خميس في عيون الأدباء والكتاب والباحثين لا بد من الإشارة هنا إلى أن الفقيد يعتبر من أبرز مؤسسي الصحافة في المملكة العربية السعودية وفي نجد على وجه الخصوص فقد أسس في عام 1959 مجلة «الجزيرة» التي تحولت فيما بعد إلى جريدة «الجزيرة» اليومية. وقد كتبت الكثير من الدراسات عن الأديب الراحل عبد الله ابن خميس، وكل هذه الدراسات والبحوث كانت تسلط الضوء على إنتاجه الفكري وإبداعاته الأدبية التي ألفها خلال حياته وتعد بالعشرات. فقد قامت الباحثة السعودية (هيا بنت عبد الرحمن السمهري) بإعداد رسالة ماجستير عن الأديب الراحل سنة 1425 ه بعنوان «عبد الله بن خميس ناثرا» تحدثت فيها عن شخصيته وصفاته وريادته الاجتماعية والأدبية ومصادر ثقافته، وقد تحولت هذه الرسالة إلى كتاب علمي صدر عام 2006م عن طريق مكتبة الملك فهد الوطنية، وصدر في «617» صفحة. كما كتب عنه العديد من الأدباء والكتاب ووزراء الثقافة والإعلام والمؤسسات الثقافية في المملكة والخليج. هذا وقد أصدرت «دارة الملك عبد العزيز» في المملكة قبل سنوات بعض الإصدارات العلمية والتوثيقية حول الأديب والشاعر الكبير على شكل ببليوغرافية، وكانت هذه الأعمال بمثابة عملية توثيقية مهمة لشخصية أعطت الكثير لتاريخ وأدب وتراث الجزيرة العربية وخصوصا ما يتعلق بالأدب الشعبي الذي لم يتناوله الكثير من الباحثين في العصر الحديث بالدراسة والتمحيص، وقد تصدى ابن خميس لهذه التجربة خلال سنوات عمره التي قضاها في الجمع والتوثيق لحفظ تراث دول المنطقة من الاندثار والضياع. كلمة أخيرة سيظل العلامة عبد الله بن محمد بن خميس علامة مضيئة في مسيرة الأدب والتراث في الجزيرة العربية، فقد كان بمثابة موسوعة علمية لتاريخ المنطقة، كما كان مكملا للجهود الأخرى التي أنجزها صديق عمره الأديب السعودي والشيخ العلامة الراحل حمد الجاسر (1910 - 2000). (*) رئيس مجلس هيئة التدريس وأستاذ الإعلام بجامعة قطر r.s.alkuwari@ hotmail.com