ما إن انطلق أذان الظهر، حتى تداعى عشرات المعتقلين الملتحين من أعضاء حركة «حماس» في سجن جنيد في مدينة نابلس في الضفة الغربية الى الساحة الفاصلة بين الغرف، واصطفوا خلف الإمام «أبو حمزة» لأداء صلاة الجماعة. وحتى وقت قريب، لم يكن مسموحاً لهؤلاء المعتقلين التجمع داخل ساحات السجن لأي غرض كان، وإن كانوا يؤدون صلاة الجماعة داخل غرفهم. لكن في الآونة الأخيرة، أدخلت السلطة تغييرات جوهرية على علاقتها مع المعتقلين السياسيين الذين تطلق عليهم صفة «معتقلين أمنيين»، في مقدمها وقف التعذيب الجسدي والسماح لهم بالتجمع للصلاة والتعليم وغيرها. ويؤكد سجناء «حماس» حصول التغيير، لكنهم يتطلعون الى إنهاء ملف الاعتقال السياسي من جذوره، الأمر الذي لا يبدو في الأفق طالما بقي الانقسام قائماً بين «حماس» المسيطرة على قطاع غزة، و «فتح» المسيطرة على الضفة. ويقول السجناء في هذا السجن الواقع قرب الحرم الجديد لجامعة النجاح، ان التغيير بدأ منذ ما يزيد على ثلاثة أشهر. وقال خالد الصوصة (48 سنة) المعتقل منذ 14 شهراً إن وفداً من مكتب الرئيس محمود عباس زار السجن قبل ثلاثة أشهر وأبلغهم ان التعذيب توقف بصورة تامة، وان الرئيس يتابع تنفيذ القرار عن كثب. وأضاف: «جاء مستشار الرئيس جهاد الجيوسي، وأبلغنا ان التعذيب توقف، لكنه قال في الوقت نفسه إن التحقيق ليس نزهة». وقال أيمن حماد (38 سنة) من بلدة عقربا في محافظة نابلس انه اعتقل مرتين لدى أجهزة السلطة، الأولى قبل التغيير وتعرض فيها لتعذيب جسدي، وسوء معاملة قاسية، والثانية بعد التغيير في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ولم يتعرض فيها لأي نوع من التعذيب أو الإساءة. وأضاف: «المعاملة اليوم أحسن. الضرب توقف. أحياناً يحدث ضرب خفيف لا يذكر. الشتائم توقفت». وكانت السلطة الفلسطينية بدأت حملة ضد ناشطي حركة «حماس» بعد سيطرة الأخيرة على قطاع غزة بالقوة المسلحة في حزيران (يونيو) عام 2007. وتقول السلطة ان هذه الإجراءات جاءت بهدف منع «حماس» من تكرار تجربة غزة في الضفة ورداً على ما تقول انه إجراءات قمع قاسية مارستها «حماس» بحق أعضاء أجهزة السلطة ومؤسساتها وناشطي حركة «فتح» في القطاع. وقال ضابط أمن كبير ل «الحياة»: «منذ انقلاب حماس، قررنا ان نجردهم من أي وسائل قد يعيدون عبرها تكرار انقلابهم هنا، مثل السلاح والمال وغيرها». وأضاف: «كل الإجراءات التي قمنها بها هنا كانت رد فعل على ممارسات حماس. هم الذين انقلبوا على السلطة واحتلوا مواقعها ومؤسساتها، وقتلوا المئات من أعضائها، بعضهم تعرض لإعدامات ميدانية. لقد تركتنا حماس من دون خيار سوى اتخاذ إجراءات وقائية لمنعها من تكرار انقلابها في الضفة». ومنذ سيطرة «حماس» على القطاع، شهدت السجون في شقي الوطن (غزة والضفة) سلسلة انتهاكات هي الأسوأ في سجل حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية منذ قيام السلطة عام 1994. ووثقت مؤسسات حقوق الإنسان خلال العامين الماضيين مُلابسات مقتل ثمانية سجناء في سجون الضفة و15 سجيناً في سجون قطاع غزة، تقول ان غالبيتها حدثت بسبب التعذيب. ومن بين الضحايا سجناء مدنيون. ويحمل بعض السجناء في الجانبين آثار تعذيب على جسده، على رغم مرور أشهر طويلة على تعرضه للتعذيب. ويقول السجناء في الجانبين انهم تعرضوا للتعليق من السقف، والشبح في أوضاع مؤلمة، والضرب بواسطة كوابل الهاتف والهراوات. وتؤكد السلطة وسجناء «حماس» ومؤسسات حقوق الإنسان ان التعذيب توقف في سجون الضفة باستثناء بعض التجاوزات. اما في قطاع غزة، فإن اوضاع المعتقلين تتسم بكثير من الغموض بسبب عدم السماح لمؤسسات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام بزيارتهم. وأكد النائب عن «حماس» في الضفة الدكتور محمود الرمحي أن التعذيب بشكله القاسي المعروف سابقاً توقف في سجون الضفة، لكن هناك بعض الخروق ما زال يقع بين الحين والآخر. ويعزو الرمحي هذا التغيير الى «الضغوط التي مارستها مؤسسات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام»، مضيفاً: «هددت مؤسسات حقوقية غربية في الآونة الأخيرة برفع دعاوى قضائية في بلادها ضد مسؤولين في السلطة على هذه الخلفية». وتعرضت السلطة الفلسطينية خصوصاً الى انتقادات واسعة من مؤسسات حقوق الإنسان والدول الأوروبية على خلفية وقوع انتهاكات في سجونها. لكن رئيس الحكومة الدكتور سلام فياض يؤكد ان هذه الانتهكات كانت «تجاوزات» و «لم تكن أبداً سياسة رسمية» لحكومته التي يضيف انها اتخذت إجراءات عقابية بحق 43 ضابطاً في أجهزة الأمن الفلسطينية على خلفية ارتكابهم تجاوزات في التعامل مع المعتقلين تراوحت بين السجن والفصل وتخفيف الرتبة والتحويل للقضاء. غير ان استمرار الاعتقال السياسي في كل من الضفة وغزة ما زال يشكل الهم الأكبر لناشطين الحركتين. ويقول الصوصة: «أنا سعيد جداً لأن التعذيب بشكله القاسي توقف، لكن نحن نريد لملف الاعتقال السياسي ان ينتهي كلياً».