مع كل تجديد لعقود حقوق النقل التلفزيوني لمباريات الرياضة الأوروبية والأميركية الشعبية، يُثار الجدال نفسه حول هيمنة قنوات الرياضة الثرية وانسحاب القنوات الحكومية من التنافس. كما يعلو الصوت حول جشع النوادي والقنوات الرياضية، الذي يحوِّل مُشاهدة اللعب الدارجة على شاشات التلفزيون الى ترف لا يقدر عليه سوى المشتركين في حزمة القنوات المُختصة، ومن دون أن تغير الأموال التلفزيونية التي تصل الى إدارات الفرق الرياضية من أداء الأخيرة، لجهة توفير تذاكر رخيصة لجمهور يرغب في مشاهدة فريقه الرياضي في الملعب. في هذا السياق، استأثر إعلان توزيع حقوق نقل مباريات الدوري الإنكليزي الممتاز التلفزيوني للمواسم: 2016 - 2019، بين «سكاي سبورت»، و»بي تي»، على اهتمام إعلامي كبير وصل الى أهل السياسة. إذ شهدت تلك الحقوق زيادة بنسبة 70 في المئة عن العقد السابق، وستدفع هذه القنوات 2,3 بليون يورو للموسم الواحد، أي ما يعادل 13,5 مليون يورو للمباراة الواحدة، ليضع هذا الاتفاق، الدوري الإنكليزي الممتاز، في المرتبة الثانية في قائمة إيرادات النقل التلفزيوني لأحداث رياضية في العالم، بعد دوري كرة القدم الأميركية في الولاياتالمتحدة، والذي يجني تلفزيونياً ما يقارب 4,95 بليون دولار للموسم الرياضي الواحد. وكانت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، بحثت أخيراً في الزيادات الهائلة التي طرأت على حقوق نقل الرياضة على التلفزيون في العالم الغربي، قياساً الى الأعوام السابقة، فشهدت رياضة كرة القدم الأميركية، الأكثر شعبية هناك، زيادة في حقوق مواسم: 2015 - 2021 وصلت الى 61 في المئة. في حين وصلت مبالغ حقوق نقل مباريات كرة السلة الأميركية الى زيادة بنسبة 180 في المئة، لتصل الى 2,6 بليون دولار لكل موسم من المواسم المقبلة وحتى عام 2025. ويبلغ مُعدل حقوق نقل مباريات البيسبول الأميركية 1,5 بليون دولار سنوياً، ولغاية عام 2021، بزيادة 100 في المئة عن العقد السابق. والحال لا تختلف كثيراً في معظم الدول الأوروبية، بخاصة أن قنوات عملاقة، مثل «فوكس» الأميركية الرياضية التي يملكها روبرت مردوخ وشقيقتها البريطانية «سكاي»، دخلت السوق الأوروبية منذ أعوام، وظفرت بحقوق النقل التلفزيوني في دول أوروبية عدة، مثل: هولندا، ألمانيا، إيرلندا، والنمسا. ومن البديهي القول إن القنوات التلفزيونية الرياضية العملاقة، تستعيد المبالغ التي تدفعها مع أرباح خيالية من عوائد الإعلانات والاشتراكات الشهرية، كما أن تكالبها على الظفر بحقوق النقل التلفزيوني لمباريات الرياضة، هو محاولة مستميتة للبقاء وسط عالم إعلامي متغير كثيراً. فمستقبل المشاهدة التلفزيونية المباشرة على المحك تماماً، كما تشير كل البحوث الحديثة التي تبين أن كثيرين يفضلون أسلوب المُشاهدة وفق الطلب، والذي أصبح متوافراً بفضل شركات تزويد «الكيبل» في معظم دول العالم الغربي. فمع تزايد شعبية شركات مثل «نتفليكس» و»أمازون»، لتزويد خدمة مشاهدة برامج التلفزيون عبر الإنترنت والمشاهدة وفق الطلب التي يوفرها الكيبل التلفزيوني، والنموذج الاقتصادي للتلفزيون، الذي يعتمد في جزء كبير منه على إعلانات تقطع أو ترافق المشاهدة المباشرة، باتت «الرياضة» من النشاطات القليلة التي يقبل التلفزيون على نقلها مباشرة، وهو الأمر الذي جعل قنوات الرياضة العملاقة تتنافس بقوة للحصول على بعض ثمرات النقل التلفزيوني للنشاطات الرياضية. أما أن تتحوّل مشاهدة الرياضة على التلفزيون الى فعل لا يقدر عليه سوى الميسورين، فهذا أمر لا يشغل كثيراً بال مالكي قنوات الرياضة، أو الأندية الرياضية الذين يتعرضون لحملة انتقادات واسعة بعد كل عقد تلفزيوني جديد. هذا على رغم أن جودة النقل التلفزيوني للأحداث الرياضية، وصل، وبسبب إمكانات القنوات التلفزيونية الكبيرة، الى مستويات موفّقة كثيراً، وساهمت القنوات تلك في تطوير أساليب النقل التلفزيوني المُباشر للأحداث العامة.