منذ فترة توقفت الصحف والوسائل الإعلامية الأوروبية، عن تذييل أخبارها الأخيرة عن القرصنة للمسلسلات والبرامج التلفزيونية، بكليشيهات معروفة عن مساوئ وتبعات هذه الأخيرة على الصناعة ومستقبل التلفزيون، كما كانت تفعل لسنوات. بل إن صحفاً ومواقع إلكترونية يُعرف عنها الجديّة الكبيرة، صارت تنقل إحصاءات عن نوع من القرصنة (التورينت) لمسلسلات وأفلام معينة، كجزء من تغطيتها لشعبية الأخيرة، وكما تفعل عندما تنقل أرقام المشاهدة التلفزيونية، التي تسجلها شركات خاصة، لمعدلات مشاهدة البرامج التلفزيونية عبر «الكيبل» التلفزيوني. هذا التحوّل في سلوك الإعلام، يشير إلى تحوّل القرصنة إلى واقع بات من المنطقيّ الاعتراف به، بخاصة إن المعركة التي خاضتها استديوات وقنوات تلفزيونية، وحكومات أوروبية ضدها، انتهت حالياً بهزيمة مدويّة، للطرف الذي يريد أن يوقف القرصنة قانونياً. فمشروع التشريعات التي كان يعوّل عليها كثيراً في فرنسا وبريطانيا ومجموعة أخرى من الدول الأوروبية، لم تصل إلى مرحلة القوانين، بسبب عراقيل متعددة، وعجزها عن إيجاد حلول تكنولوجية شافيّة لموضوع القرصنة، لتبقى الاستديوات السينمائية الأميركية العملاقة، الوحيدة القادرة على سَحّب أصحاب مواقع القرصنة إلى قاعات المحاكم. فلقد تم الإعلان قبل أيام عن إيقاف موقع «IsoHunt» الشهير للقرصنة بسبب دعوى قضائية استمرت لسنوات. أسعار مخفضة ولقد دفع تعقيد مشكلة القرصنة، بشركات خاصة عدة لمحاولة الالتفات عليها، بتقديم حلول، منها توفير المواد التلفزيونية بأسعار مخفضة، وهو ما تفعله شركة عملاقة مثل «نيتفلكيس» الأميركية، التي ترتكز حملتها الإعلانية الحالية في الدول الأوروبية، بأنه يُمكن تجنب الوقوع في «وحل» القرصنة، بما تتضمنه العملية من مخاطر على الأجهزة الإلكترونية الشخصية للمستخدمين، أو تعقيدات العقوبات القانونية، بدفع مبلغ لا يزيد على عشرة دولارات أميركية شهرياً، لمشاهدة مفتوحة لكل الكاتلوغ الخاص بالشركة، والذي يتضمن الآف الأفلام والحلقات التلفزيونية لمسلسلات من كل الأنواع. سيحتاج الأمر لأشهر وربما سنوات، قبل أن يَتَبين تأثير شركة مثل «نيتفلكيس»، أو غيرها من الشركات الموجودة في السوق حالياً، من التي تقدم المحتوى التلفزيوني عبر شبكة الإنترنيت، على معدلات القرصنة التلفزيونية في أوروبا، لكن هناك بوادر على هبوط في معدلات القرصنة بالنسبة للمواد الموسيقية في هولندا، (وهو أمر أكده بحث نشرت نتائجه قبل فترة) بسبب شعبية شركات مثل «سبوتيفاي»، التي تقدم أيضاً كاتالوغها الموسيقي العملاق، مقابل مبلغ بسيط شهرياً، ما يبدو إنه دفع كثراً للتوقف عن القرصنة، والتحول إلى الطريقة الرخيصة للحصول على ما يرغبه من موسيقى. وجه آخر لكن هناك وجهاً آخر للقرصنة الإلكترونية للمحتوى التلفزيوني، بدأ كثيرون بالحديث عنه من دون حرج، فبعض الذين يقفون خلف مسلسلات ناجحة من الأعوام الأخيرة، كشفوا للإعلام، بأن القرصنة ضَخَّت حياة جديدة لمسلسلاتهم، وإنه لولا القرصنة، والدور الذي لعبته في التعريف بهذه المسلسلات في بلدانها الأصلية وحول العالم، لتوقف العديد من تلك المسلسلات بعد موسم واحد فقط، فمؤلف مسلسل «بريكنغ باد» الأميركي فينس جيليجان، يدين للقرصنة في شهرة مسلسله، والذي عرضته قناة صغيرة على الكيبل المدفوع الثمن في الولاياتالمتحدة الأميركية، لكن فينس جيليجان شدد أيضاً في لقاء حول موضوع حقوق الملكيّة الفكرية، أجراه معه موقع هيئة الإذاعة البريطانية على شبكة الإنترنت، بأن القناة التلفزيونية المُنتجة، وبالتالي هو وفريقه، كان يمكن أن يجنيا أموالاً أكثر بكثير لولا القرصنة الإلكترونية لمسلسله، والتي وصلت في الحلقة الأخيرة إلى نصف مليون تحميل غير قانوني. مسلسل «بريكنغ باد» نفسه يثير منذ أسابيع جدلاً في هولندا، فالقناة التلفزيونية الهولندية التي تملك حقوق عرض المسلسل، ستعرض الموسم الأخير منه في العام المقبل، وهو تأخير يعتبره كثر جزءاً من تقاليد يجب أن تتوقف وبخاصة مع المسلسلات التي تحقق نجاحاً عالمياً، فإحدى الخطوات التي أثبتت فعالية ضد القرصنة، كانت في عرض المسلسل في الوقت نفسه تماماً في عدة دول، كما فعلت قناة فوكس الأميركية عندما عرضت مسلسلها «لَمّس» في 100 بلداً حول العالم العام الماضي. لكن عملية لوجستية مثل هذه، تحتاج إلى ترتيبات مُعقدة، أثبتت التجارب بأنها صعبة كثيراً، لتبقى إشكالية القرصنة تتراوح في المكان نفسه تقريباً.