بعد أسبوعين على نجاح الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في الإفلات من قبضة جماعة الحوثيين التي فرضت عليه إقامة جبرية إثر الانقلاب، تلقت الجماعة «صفعة جديدة» تمثلت في انشقاق وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة اللواء محمود الصبيحي عنها، ونجاحه في هروب «ماراثوني» من صنعاء إلى مدينة عدن ملتحقاً بهادي. وأوحى الوزير بأنه سيتناول الغداء إلى مأدبة وزير الداخلية وواكبته عناصر قبلية إلى مأرب أولاً. وعلمت «الحياة» من مصادر حوثية مطلعة أن الجماعة تدرس مخططاً للتصعيد، للرد ميدانياً على هروب الصبيحي وقبله الرئيس. ولم تكشف طبيعة المخطط الذي يُحتمل أن يكون على صلة بالتمرد الحالي لقوات الأمن الخاصة في عدن، واطلعت «الحياة» على تسريبات أمنية تحدثت عن وجود حوالى ألف مسلح حوثي في عدن، من عناصر «كتائب الحسين» (ميليشيا الجماعة الخاصة) يُقيمون في منازل «آمنة» منذ أشهر، وينتظرون التوجيهات من صعدة (معقل الحوثيين) لحسم أي مواجهة على الأرض. وفيما استقبل الرئيس اليمني في عدن سفير روسيا الذي شدد على شرعية حكمه وضرورة «تجنيب اليمن ويلات الصراعات»، جددت المملكة العربية السعودية حرصها على «وحدة اليمن واستقراره وسيادته». وذكّرت بدعوتها اليمنيين دائماً إلى «الحفاظ على وحدتهم بكل أطيافهم» و «عدم اتخاذ أي قرارات من شأنها تفكيك النسيج الاجتماعي لليمن وإثارة الفتن الداخلية». واقتحم مسلحو الجماعة منزل الوزير الصبيحي في صنعاء بعد تلقيهم نبأ فراره، واعتقلوا أكثر من 30 من مرافقيه، كما تبادلوا إطلاق النار مع عدد من حراسه في منطقة الخوخة (غرب) أثناء توجههم إلى عدن، ما أدى إلى مقتل أحدهم وجرح خمسة. وكانت الجماعة أخضعت الصبيحي للإقامة الجبرية في صنعاء بعد استقالة الرئيس اليمني في كانون الثاني (يناير) الماضي، قبل أن تجبر الوزير على حضور مراسم «إعلانها الدستوري» قبل شهر، وتكلّفه تصريف أعمال وزارة الدفاع، وتسند إليه رئاسة «اللجنة الأمنية العليا» في محاولة لاستقطابه إلى صفها، مع عدد من وزراء الحكومة المستقيلة. وتزامن هروب الصبيحي إلى الجنوب مع تصاعد التوتر في مدينة عدن، نتيجة رفض قائد القوات الخاصة عبد الحافظ السقاف تسليم معسكره إلى العميد ثابت جواس، وإصراره مجدداً على تمرّده على قرارٍ لهادي قضى بإقالته. وتردد كذلك ان السقاف وافق على تسليم المعسكر لقائد آخر بدلاً من جواس. وعلمت «الحياة» من مصادر قريبة من الصبيحي أنه غادر صنعاء ظهر السبت، موحياً للحوثيين بأنه ذاهب لتناول الغداء في منزل وزير الداخلية جلال الرويشان، قبل أن يسلك الطريق المؤدية من صنعاء شرقاً إلى مأرب، بمواكبة عناصر قبلية تمكنت من تضليل نقاط التفتيش التابعة للحوثيين. وذكرت المصادر أن وزير الدفاع واصل طريقه عبر مناطق جبلية وصحراوية بين شبوة والبيضاء، متّجهاً إلى محافظة لحج مروراً بمناطق قبائل يافع التي أمّنت له الحماية حتى وصوله إلى منطقة الصبيحة حيث منزله، ومن ثم توجّهه لاحقاً إلى عدن، بعدما زار عائلته. وكشفت أن الصبيحي أمر مرافقيه في صنعاء بسلوك طرق عدة إلى عدن، إذ اتجه بعضهم غرباً عبر الحديدة ومن ثم جنوباً إلى عدن، فيما توجه آخرون جنوباً باتجاه ذمار، لكن مسلحين حوثيين تمكنوا من اعتراض مجموعة في منطقة الخوخة على البحر الأحمر، وأطلقوا عليها النار ما أدى إلى مقتل شخص وجرح خمسة، واعتقلت مجموعة قبل وصولها إلى ذمار (100 كلم جنوبصنعاء). وشدد مسلحو الجماعة الحراسة على منزل رئيس الوزراء المستقيل خالد بحاح، ووزراء جنوبيين آخرين خشية أن ينفذوا عمليات هروب مماثلة. وشكلت حادثة الهروب الثاني التي اعتبرها مراقبون «صفعة جديدة للحوثيين» مادةً خصبة على مواقع التواصل الاجتماعي، للتندر والسخرية من سلطات الجماعة التي كلّفت الصبيحي مهمات وزير الدفاع وترؤس اللجنة الأمنية العليا في البلاد من دون أن تتوقع منه تحيُّن اللحظة المناسبة للإفلات من قبضتها. ولم يصدر عن الحوثيين تعليق رسمي على فرار الصبيحي، في وقت يُتوقع أن يشكّل وصوله إلى عدن دعماً جدياً لخطوات هادي، الرامية إلى استعادة السيطرة على وحدات الجيش والأمن، وتشكيل مركز جديد للقيادة. في غضون ذلك، أكدت مصادر حزبية في صنعاء أن القوى السياسية المتحاورة برعاية مبعوث الأممالمتحدة جمال بنعمر اتفقت على تحديد مدة أقصاها أسبوعان للانتهاء من المفاوضات، وإنجاز اتفاقٍ لحل الأزمة اليمنية، يكفل العودة إلى المسار الانتقالي الذي انقلبت عليه جماعة الحوثيين بالقوة. واستقبل الرئيس اليمني في عدن أمس السفير الروسي فلاديمير ديدوشكين الذي كشفت مصادر رئاسية أنه أكد خلال اللقاء شرعية هادي، معتبراً أن «لا خيار أمام اليمنيين للخروج من أزمتهم إلا الحوار، واستكمال العملية السياسية لتجنيب اليمن ويلات الصراعات». أمنياً، قُتِل أمس تسعة حوثيين في مديرية ذي ناعم بمحافظة البيضاء، في هجمات لمسلحين قبليين تدعمهم عناصر من تنظيم «القاعدة». كما اغتال مسلحان يُعتقد بأنهما من التنظيم رجل أمن في مدينة الحوطة مركز محافظة لحج. وفي مأرب أفادت مصادر قبلية عن سقوط خمسة قتلى وسبعة جرحى خلال اشتباك في منطقة «مفرق السد»، بين مسلّحين من قبيلة أشراف مأرب موالين للحوثيين، وآخرين من قبيلة آل مروان في محافظة الجوف مناهضين للجماعة. السعودية ووحدة اليمن في الرياض، أعلن مصدر في وزارة الخارجية السعودية أمس، أن المملكة حريصة على «وحدة اليمن واستقراره واستقلاله وسيادته، وهذا أمر ثابت في سياستها»، مشيراً إلى أن عبارة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره الأميركي جون كيري الخميس الماضي، التي أشار فيها إلى ترحيبه بانتقال الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى اليمن الجنوبي، كانت تعني «انتقال الحكومة الشرعية إلى مدينة عدنالجنوبية، بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في العاصمة صنعاء». وقال المصدر في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية أمس: «موقف المملكة من وحدة اليمن الوطنية والإقليمية واستقلاله وسيادته أمر ثابت في سياستها، وهو الأمر الذي تطالب به دوماً اليمنيين بالحفاظ على وحدتهم الوطنية بكل مكوناتهم وأطيافهم وتياراتهم الاجتماعية والدينية والسياسية، وعدم اتخاذ أي قرارات من شأنها تفكيك النسيج الاجتماعي لليمن وإثارة الفتن الداخلية».