في ظل مخاوف متصاعدة من انزلاق اليمن إلى العنف أفاق اليمنيون أمس على واقع سياسي جديد فرضه مسلحو جماعة الحوثيين، عنوانه الأبرز الفراغ الدستوري وانسداد الأفق أمام الخروج العاجل من الأزمة، وذلك غداة فشل المفاوضات مع الجماعة وتقديم الرئيس عبد ربه منصور هادي استقالته بالتزامن مع استقالة حكومة خالد بحاح. ودعا البرلمان اليمني إلى عقد جلسة غداً للبت في استقالة هادي فيما شهدت صنعاء انتشاراً كثيفاً للمسلحين الحوثيين الذين اقتحموا مقر البرلمان وفرضواً حصاراً على منازل عدد من القادة الجنوبيين بينهم وزير الدفاع محمود الصبيحي ورئيس جهاز الأمن القومي علي الأحمدي، كما شوهد انتشار قوة محدودة من الأمن أمام منزل الرئيس هادي. وفشلت محاولات مبعوث الأممالمتحدة إلى اليمن جمال بنعمر في إقناع هادي بالعدول عن الاستقالة، في حين رحبت جماعة الحوثيين بها وأكدوا في بيان لما يعرف ب «اللجنة الثورية» التابعة لهم أنهم يعتبرون استقالة هادي معلقة حتى يُبت بها دستورياً، في إشارة إلى رفضها من قبل البرلمان أو الموافقة عليها. وكشف هادي في استقالته أنه وصل إلى طريق مسدود مقدماً اعتذاره إلى الشعب اليمني وقال «لقد وجدنا أننا غير قادرين على تحقيق الهدف الذي تحملنا في سبيل الوصول إليه الكثير من المعاناة والخذلان، وعدم مشاركتنا من قبل فرقاء العمل السياسي في تحمل المسؤولية للخروج باليمن إلى بر الأمان». في غضون ذلك خرج آلاف اليمنيين أمس في صنعاء وتعز وإب والحديدة في تظاهرات منددة ب «انقلاب الحوثيين» على الرئيس هادي والعملية الانتقالية، وأدى مئات الناشطين في صنعاء صلاة الجمعة أمام بوابة جامعة صنعاء، في حين تظاهر الآلاف في تعز وإب والحديدة، في أول احتجاج جماهيري على استقالة هادي. وأعلن قادة في فصائل «الحراك الجنوبي» عقب استقالة هادي الانفصال عن الشمال، في حين دعا قائد قوات الاحتياط في الجيش اللواء علي الجائفي، وهي أقوى الألوية العسكرية المتماسكة في صنعاء خارج سيطرة الحوثيين، قادة المناطق العسكرية السبع وقادة الأحزاب ومكونات المجتمع إلى اجتماع عاجل للوقوف على «حالة الفراغ الدستوري» وما تمثله «من خطر على وحدة اليمن ونسيجه الاجتماعي». وأوقفت جماعة الحوثيين بث تلفزيون عدن وربطته ببث التلفزيون الرسمي في صنعاء، حتى لا يُستخدم لبث البيانات المناهضة لها، في حين أفاد شهود في مدينة عدن بأن مسلحي «اللجان الشعبية» الموالية لهادي سيطروا أمس على المنشآت والمباني الحكومية رداً على تصرفات الحوثيين التي أجبرت هادي وحكومة بحاح على الاستقالة. وكان الحوثيون استولوا الثلثاء على القصرين الرئاسي والجمهوري وحاصروا منزل هادي قبل أن تقدم له لائحة تضم العشرات من أنصار الجمماعة لتعيينهم في مفاصل الدولة وأجهزتها السيادية، بما في ذلك تعيين نائب حوثي للرئيس ونائب لرئيس الوزراء، وهو ما رفضه هادي مفضلاً الاستقالة بعد دقائق من تلقيه استقالة حكومة خالد بحاح. وفي وقت أشيع أن الحوثيين يتجهون الى تشكيل مجلس رئاسي انتقالي برئاسة الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد، أو تشكيل مجلس عسكري بقيادة وزير الدفاع في الحكومة المستقيلة محمود الصبيحي، أكد بيان للجماعة أن استقالة هادي وحكومته لا زالت معلقة حتى يتم البت فيها دستورياً. وإذا سمح الحوثيون للبرلمان بالانعقاد فإنه يستطيع أن يرفض استقالة هادي أو يقبلها، وفي حال رفضها يظل هادي وفق الدستور في منصبه ولا يحق له تقديمها مجدداً إلا بعد ثلاثة أشهر، وفي هذه الحال يقبلها البرلمان مباشرة ويتولى رئيسه رئاسة الجمهورية ويدعو إلى إجراء انتخابات في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، لكن ليس من المؤكد بعد قبول الجماعة بهذه الإجراءات الدستورية. ويخشى مراقبون أن يقود انقلاب الحوثيين على هادي وأطراف العملية السياسية إلى تمزيق اليمن وإذكاء الصراع الطائفي والمناطقي، كما يقابل توسع الجماعة بالقوة رفضاً واسعاً، إذ يهدد الجنوبيون بالانفصال وتدرس بعض القوى الحضرمية استقلال حضرموت، فيما ترفض قبائل مأرب والبيضاء الخضوع للحوثيين وتفضل النخب السياسية في تعز وإب الالتحاق بالجنوب وترك مناطق الشمال وحيدة تحت قبضة الحوثيين. وفي نيويورك دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الأطراف اليمنيين الى «التزام ضبط النفس والحفاظ على السلم والاستقرار» مشدداً على ضرورة تعاون جميع الأطراف مع جهود مبعوثه الخاص الى اليمن. وأعرب في بيان عن «القلق البالغ حيال المستجدات بعد استقالة الرئيس اليمني ورئيس حكومته خالد البحاح». وحض بان كل الأطراف على مواصلة الانخراط الكامل مع بنعمر الموجود في صنعاء «والذي يتشاور عن كثب مع كل الأطراف للمساعدة في إيجاد طريق للخروج من الأزمة الحالية». وفي واشنطن قال المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست «إن ادارة الرئيس أوباما تواصل شراكة قوية في مجال مكافحة الارهاب مع البنية التحتية للأمن الوطني في اليمن». وشدد على أهمية الاستقرار واستعادة الأمن والشرعية والمؤسسات الطبيعية وان يعمل اليمنيون مع بعضهم في بناء بلد مستقر.