بيعت منتهى أواخر آب (أغسطس) 2008 إلى شخص غير معروف لوالديها، غادرت أسوار السجن المركزي في صنعاء، ووالدتها التي لا تزال قابعة هناك، تحتفظ بصورة طفلتها ذات ال15 شهراً وتنزف دموعاً لا تعيد ما فُقد. منتهى أبصرت النور في السجن، وأمضت أشهرها الأولى في حضن والدتها خلف أسواره، فالوالدة إحدى «نزيلات» قسم النساء فيه، حيث تقضي محكوميتها. أما والدها فعامل بالأجرة اليومية، وبالكاد يجني قوت يومه. لا يختلف اثنان على الظروف القاهرة المحيطة بالطفلة وذويها، إلاّ أن ذلك لا يمنع التساؤل عن مدى أحقية الدخول في عملية بيع الطفلة، وهل من سبب منطقي يبرر ذلك؟ ويقول عبد الرحمن برمان، رئيس منظمة «سجين» الناشئة في اليمن، والتي تُعنى بشؤون السجناء: «علمنا بأن عملية بيع طفلة تمت في السجن المركزي في صنعاء في شهر رمضان الماضي، لكن لم يتسنَّ لنا التأكد إلا أخيراً من أن العملية تمت بالفعل، وذلك عبر ما أكدته لنا سجينات كن مع والدة منتهى في السجن ذاته». وتمت عملية بيع الطفلة من طريق الشرطة النسائية (السجّانات) المشرفة على قسم النساء في السجن، وكنّ الوسيطات في إتمام العملية. وهو ما يؤكده برمان ويضيف: «قبض والد منتهى، من خارج السجن مبلغ 500 دولار أميركي، ما يعادل مئة ألف ريال يمني، مقابل أن يبيع ابنته، وبعد تسلمه المبلغ، حضر لزيارة زوجته ليقنعها بتسليم طفلتها للسجانة، وفي المقابل حصلت الأم على مبلغ 15 ألف ريال يمني، اي حوالي 75 دولاراً أميركياً. في آب (أغسطس) الماضي، كانت منتهى تخطو نحو شهرها الثالث بعد أن أكملت عامها الأول. طفلة معافاة وفي صحة جيدة، في اليوم التالي لبيعها وبحسب برمان، أحدثت والدة منتهى ضجة كبيرة في قسم النساء بالسجن، ما دفع السجانة «وسيطة المبايعة» إلى إضافة مبلغ خمسة آلاف ريال يمني (25 دولاراً) إلى المبلغ الذي دُفع لها مسبقاً، مقابل موافقتها على بيع ابنتها، ولإسكاتها عن العويل كي لا يصل الأمر الى المسؤولين. إلاّ أن الأم لا تزال تندب لحظة موافقتها على بيع طفلتها، حاملة صورتها التي لا تفارق يدها، والدموع لا تجف من مقلتيها. وتقول سجينة شهدت الواقعة وغادرت السجن لانتهاء فترة عقوبتها: «أم منتهى تقول انهم أخبروها بأن بنتها ستعيش في وضع أحسن، وأعطوها المال، لذلك باعتها». ويؤكد عبد الرحمن برمان: «منتهى ليست الطفلة الوحيدة التي جرى بيعها، فهناك أطفال آخرون وكانت آخرهم الطفلة رويدا ويُقال أنها بيعت بثمن بخس 2000 ريال يمني (10 دولارات)»، مشيراً إلى أنهم يبحثون للتأكد من الواقعة. ويضيف: «يبدو أن بيع أطفال السجون لم يعد حالات محدودة، ويبدو أنه ممارسة ويتحرك بحسب العرض والطلب، كما أن السجّانات يمارسن ضغوطاً على النساء اللواتي لديهن أطفال مواليد، في حال وجود من يشتري». ويؤكد أن إحدى السجينات تتعرض حالياً لضغوط شديدة من أجل حثّها على بيع طفلتها، لكنها تتمسك بالرفض، على رغم أن ابنتها مريضة ولا تقدر على علاجها. ويعتبر برمان ما يحدث جريمة بشعة بحق هؤلاء الأطفال، ويستدرك: «لكن ما نستغربه هو أن أحداً من الجهات المختصة في مجلس النواب أو مكتب النائب العام ووزارة الداخلية ورئاسة الجمهورية، لا يحرك ساكناً على رغم إبلاغنا إياهم بمثل هذه الوقائع». ويقضي القانون اليمني بألاّ يبقى الأطفال في السجون وبتسليم الطفل إلى والده أو الأقارب لجهة الأم، لكن ما يحدث هو أن الأسرة اليمنية تتبرأ من ابنتها بمجرد دخولها السجن. أضف إلى ذلك أن غالبية النساء المسجونات ينحدرن من أسر فقيرة بالأساس، تتخلى عنهن على اعتبار أن دخولهن السجن عار، إلى جانب عدم قدرتها كأسرة فقيرة على تحمل مسؤولية طفل قد تنجبه ابنتها، وفي حال بقاء التواصل بين الأسرة وسجينتها، وهذا نادر جداً فإن الحال الاقتصادية للأسرة لا تسمح لها بتحمل مصاريف الأم ووليدها، لذا يبقى معها في السجن. وعلى ذلك يعاني أطفال السجون من جملة حرمانات تبدأ بالإهمال من العائلة والأب، إن وجد، مروراً بالوضع السيء عموماً، إذ لا يحصل الأطفال المواليد على شهادات ميلاد، وعليه لا يسجلون في السجلات المدنية، ولا يتعلمون إذا ما بلغوا سن الدراسة، ناهيك بالتنشئة غير السليمة التي يحظون بها وسط هذه الظروف.