بعض وسائل الإعلام الرسمية العربية ، وشبيهاتها، تعامل مع قضية التصويت لاختيار المدير العام لمنظمة اليونسكو باعتبارها مؤامرة دولية ضد العرب، وأن الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية واليابان حاربت بضراوة لإضعاف الجبهة التي تحمست لمرشح المجموعة العربية فاروق حسني، وأن دولاً غيرت مواقفها في الساعات الأخيرة، بسبب ضغوط أميركية وإسرائيلية على دول أفريقية للتصويت لمصلحة المرشحة الأوروبية إيرينا بوكوفا. قبل أن نتمادى في نسج نظرية المؤامرة، يجب ان نستعيد قصة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، الذي ترك منصبه في تموز (يوليو) الماضي، بعد جلوسه على كرسي الوكالة لثلاث دورات، استمرت 12 سنة، وهو كان فاز بالدورة الثالثة عام 2005 على رغم اتهامه بالتعاطف مع المشروع الإيراني، ومسايرة تسويف طهران، فضلاً عن موقفه الرافض كذبة حيازة العراق أسلحة دمار شامل، والتي روّجت لها واشنطن وجعلتها ذريعة لغزو العراق. وكان في إمكان الولاياتالمتحدة وحلفائها الغربيين «التآمر» على البرادعي، ومنعه من الفوز بدورة ثالثة، لكن هذا لم يؤثر على استمراره في قيادة وكالة الطاقة الذرية. لا شك في أن خسارة الوزير فاروق حسني كانت متوقعة عند الموضوعيين من العرب، مثلما كانت خسارة غازي القصيبي. لكن هذه الحقيقة لم تدفع أحداً من المسؤولين عن الثقافة في العالم العربي الى الحديث بصراحة عن الأسباب التي تمنعنا من المنافسة في مجال الثقافة. القضية هنا لا علاقة لها بالكفاءة الشخصية، وإنما بموقع الأمة التي يمثلها المرشح على خريطة الثقافة العالمية. ونحن في العالم العربي ندرك في دواخلنا أننا لا نستحق ان نتزعم إدارة الثقافة في العالم، فلماذا نتجاهل هذه الحقيقية، ونصور الأمر وكأنه مؤامرة دولية على تاريخنا، وكان حرياً بنا أن نعاود النظر في المقالات والدراسات والآراء التي طرحت في بعض الصحف الغربية خلال مرحلة ترشيح غازي القصيبي، وفاروق حسني، ونتعرف الى موقف العالم من حال الثقافة والحرية في دولنا، قبل أن نتمادى في تزكية أنفسنا ودولنا، ونتجاهل القمع الذي تمارسه مجتمعاتنا ضد الإبداع وحرية التعبير. علينا ان نتذكر ان وصول وزير عربي الى منصب المدير العام ل «اليونيسكو» لن يحل أزمتنا الثقافية، بل ربما ساهم في بقاء الحال على ما هي عليه.