ظهرت متغيّرات واضحة في الجدل الأميركي حول سورية في الأسبوعين الماضيين، إذ تحوّل من إلحاق الملف السوري بالاستراتيجية في العراق إلى دق ناقوس الخطر والإقرار في الدوائر الرسمية بأن الأوضاع في شمال سورية تحديداً تتجه نحو سيطرة المتطرفين وهزيمة «المعتدلين» وأن عدم القيام بتحرك سريع وجدي على الأرض سيضاعف التعقيدات في الأزمة السورية والحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على المدى الأبعد. ومن هنا عاد الحديث عن المناطق العازلة التي ستكون على الأرجح على طاولة المحادثات بين نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن والقيادة التركية الأسبوع المقبل. وذكرت صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية أمس السبت أن أنقرةوواشنطن وضعتا اللمسات الأخيرة على اتفاقهما في شأن تجهيز وتدريب حوالى ألفي مقاتل للمعارضة السورية المعتدلة. ونقلت «فرانس برس» عن الصحيفة التركية التي تصدر بالإنكليزية إن تدريب قوات «الجيش السوري الحر» سيبدأ «في نهاية كانون الأول (ديسمبر)» في مركز تدريب الدرك في كيرشهر (وسط) التي تبعد حوالى 150 كلم جنوب شرقي العاصمة أنقرة. وأضافت أن عسكريين أتراكاً وأميركيين سيقومون بتدريب هؤلاء المقاتلين لكن معداتهم ونفقات التدريب ستتم تغطيتها بالكامل من قبل الولاياتالمتحدة. وأنهى القادة العسكريون للبلدين التفاصيل الأخيرة لهذه الخطة خلال لقاء عقد هذا الأسبوع في مقر قيادة القوات المسلحة التركية. وتقول مصادر أميركية ل «الحياة» إن مجلس الأمن القومي الأميركي الذي ترأسه سوزان رايس كثّف اجتماعاته وتواصله مع خبراء في الملف السوري في مراكز الأبحاث البارزة، وإن الخلاصة التي تم تكوينها تعتبر أن «الاستراتيجية في سورية تفشل ووضعها في إطار العراق أولاً لم يعد كافياً»، خصوصاً أنها قد ترتد سلباً حتى على الجبهة العراقية. وتعزو المصادر هذا الموقف إلى الخسائر التي لحقت بالمعارضة المعتدلة و «الجيش الحر» في الشمال السوري أمام «جبهة النصرة» في إدلب وأمام «داعش» في ريف حلب، مشيرة إلى استيلاء «النصرة» على مقر قيادة جمال معروف (جبهة ثوار سورية) في جبل الزاوية بإدلب وتهديدها اليوم بالسيطرة على معبر باب الهوى على الحدود التركية - السورية. وأجبر هذا الواقع الجديد الإدارة الأميركية على توسيع غاراتها في سورية وضرب «النصرة» منذ أسبوعين ومرة ثالثة أول من أمس. وكانت المرة الأولى التي ضربت فيها واشنطن تجمعاً ل «النصرة» كان يُعتقد أن من يوجد فيه هم عناصر غير سورية من «مجموعة خراسان» في اليوم الأول لبدء الضربات الجوية في 23 أيلول (سبتمبر) الفائت. وتريثت الإدارة أكثر من شهر بعد ذلك وركزت حملتها على وقف هجوم «داعش» على عين العرب (كوباني) وضرب مصافي النفط التي تديرها «الدولة الإسلامية» في دير الزور. ونقلت محطة «فوكس نيوز» عن مسؤولين أميركيين أن الضربة الثانية التي طاولت مواقع «النصرة» في سورية إنما استهدفت دافيد دورجون وهو صانع متفجرات فرنسي يعمل مع «مجموعة خراسان» المرتبطة بتنظيم «القاعدة». ولاقت هذه الضربة ترحيباً بين أوساط في المعارضة السياسية السورية على عكس الضربة الأولى. وما زالت الإدارة الأميركية تربط رسمياً غاراتها على مواقع «النصرة» بتبرير أن المستهدف فيها هم عناصر «مجموعة خراسان» على وجه التحديد. غير أن الإدارة الأميركية بدأت تدرك اليوم وبسبب التحولات على الأرض أن الضربات الجوية لن تكفي وحدها وأن قوة المعارضة المعتدلة التي سيجري تجهيزها وتدريبها خلال فترة تتراوح بين 8 و12 شهراً - كما قال وزير الدفاع تشاك هاغل - ستحتاج إلى غطاء جوي فاعل لضمان نجاحها. وترافق ذلك مع نقل محطة «سي أن أن» معلومات عن درس واشنطن إقامة منطقة حظر جوي على الحدود مع تركيا. ويتوجه بايدن إلى أنقرة الأسبوع المقبل وسيلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان قد اقترح على واشنطن إقامة حظر جوي فوق الأراضي السورية في أيار (مايو) الفائت. غير أن تردد الرئيس باراك أوباما واحتفاظه بمسافة من الحرب السورية وفعله أقل ما يمكن في هذا الملف إضافة إلى خشيته من التداعيات على المفاوضات النووية الإيرانية، كلها أبطأت العجلة الأميركية. وأجبر فشل استراتيجية «أقل ما يمكن» إلى مراجعة الإدارة لحساباتها وتفادي سيناريو سورية منقسمة بين المتطرفين ونظام الرئيس بشار الأسد. وتقول مصادر موثوقة إن الجانب الروسي قد يكون منفتحاً على فكرة المناطق العازلة شرط أن تكون ل «أغراض إنسانية». ولا تعني هذه المناطق تحوّل واشنطن نحو ضرب الأسد الذي لا توليه الأهمية القصوى اليوم، إلا أنها تطرح سيناريو حماية قوات المعارضة التي سيجري تدريبها في المرحلة المقبلة وضرب من يواجهها سواء كان ذلك تنظيم «داعش» أو «جبهة النصرة» أو قوات الأسد. ولا يُنتظر أن تحسم الإدارة قرارها سريعاً بسبب ارتباط الملف السوري بملفات إقليمية أخرى بينها المفاوضات مع إيران والتي ستنتهي هذه الجولة منها في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري إما باتفاق (على رغم تراجع فرص ذلك) أو تمديد الاتفاق الموقت الحالي (وهو ما يبدو أكثر ترجيحاً). في غضون ذلك (أ ف ب)، صرح مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر بأن المحللين لم يجدوا أي دليل على أن تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» تحالفا في سورية بل هما تعاونا «في ظرف محدد» لأسباب تكتيكية. وقال كلابر في مقتطفات من مقابلة مع شبكة «سي بي أس» الأميركية ستبث اليوم الأحد إن الخبراء لم يجدوا دليلاً على تحالف بين تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» مما كان يمكن أن يعقّد الحملة العسكرية التي تقودها الولاياتالمتحدة في سورية. ورداً على سؤال عن معلومات مفادها أن التنظيمين المتطرفين شكّلا تحالفاً في سورية، قال كلابر: «لا نلاحظ ذلك». وأضاف مدير الاستخبارات الوطنية أن «تنسيقاً تكتيكياً حصل في ساحة القتال في ظرف محدد حين وحّدت مجموعات محلية مصالحها من أجل هدف تكتيكي. لكن في شكل أوسع لا أرى أن هذين (التنظيمين) يتوحدان، على الأقل حتى الآن». وكانت صحيفة «ديلي بيست» ذكرت مطلع الأسبوع الجاري أن عناصر من «مجموعة خراسان» المنبثقة من تنظيم «القاعدة» يحاولون إبرام اتفاق مع «الدولة الإسلامية» و «جبهة النصرة» فرع «القاعدة» في سورية. ونقلت الصحيفة عن مصدر من هذه التنظيمات قوله إن «جماعة خراسان تجد أن دورها الآن هو إنهاء النزاع بين الدولة الإسلامية والنصرة». وشكك مسؤولون أميركيون بوجود تحالف من هذا النوع. وقال مسؤول سابق في إدارة الرئيس باراك أوباما للصحيفة نفسها «من الصعب تصوّر أن النصرة والدولة الإسلامية يمكنهما تسوية الخلافات بينهما». وأضاف أن «الخلاف بينهما عميق جداً». على صعيد آخر، طالب نائب رئيس «الائتلاف الوطني السوري» محمد قداح الإدارة الأميركية بمراجعة سياستها في سورية، وقال في تصريح وزعه «الائتلاف»: «كما كنا قد حددنا في بياناتنا المتتالية بأنه لا يمكن الانتصار على الإرهاب في سورية والمنطقة من دون القضاء على مسبباته الرئيسية أولاً، والمتمثلة بنظام الأسد، وإننا نطالب الإدارة الأميركية بالمضي قدماً بمراجعة واقعية ومنطقية لسياستها في سورية». وأضاف نائب رئيس «الائتلاف»: «الحزم مطلوب في هذه المرحلة بالنسبة إلى محاربة الإرهاب، وذلك من خلال ضرب منبعه في المنطقة، وهو إجرام الأسد ومنع استمراره في السلطة». وأكد أنه «لا يمكن قصر الإرهاب الحاصل في سورية على تنظيم واحد، بل هو سلسلة متشابكة من التنظيمات والجماعات، تبدأ بنظام الأسد وتنتهي بداعش، مروراً بميليشيا حزب الله وأبو الفضل العباس وبقية الميليشيات الطائفية»، وقال: «إن التركيز على حلقة واحدة من هذه الشبكة الإرهابية فقط هو هدر للوقت وللموارد وإضاعة للهدف، لنكن واضحين من أراد إنهاء الإرهاب بالمنطقة فلينه سببه وهو نظام الأسد». وقال: «نحن لا نقلل أبداً من خطر داعش وإجرامه، ولكن لا بد من أن نذكر أن جرائم نظام الأسد تفوق جرائم داعش بعشرات الأضعاف من حيث عدد الضحايا». وختم: «لا يصح أن يربط مصير شعب يمارس عليه إرهاب داعش والنظام بمفاوضات حول مشاكل الغرب في الإقليم، وأن تكون دماء أطفالنا مجرد ورقة ضغط».