وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    ا"هيئة الإحصاء": معدل التضخم في المملكة يصل إلى 1.9 % في أكتوبر 2024    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    رقمنة الثقافة    الوطن    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 تصل إلى لبنان    أسرة العيسائي تحتفل بزفاف فهد ونوف    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    المالكي مديرا للحسابات المستقلة    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    التقنيات المالية ودورها في تشكيل الاقتصاد الرقمي    قراءة في نظام الطوارئ الجديد    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    أجواء شتوية    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير خارجية العراق يروي ل"الحياة" محطات من تجربته على خط الزلازل (2) زيباري: أراد الإيرانيون إفشال الأميركيين لا التجربة الديموقراطية
نشر في الحياة يوم 14 - 11 - 2013

يروي وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري أن مسؤولين أميركيين أطلعوا نظراءهم الإيرانيين في جنيف على قرار واشنطن شن حرب لإسقاط نظام صدام حسين، وأن دولاً عربية كانت على علم بالقرار. ويقول إن إيران سعت إلى إفشال الوجود العسكري الأميركي في العراق، في حين سعت سورية إلى إفشال هذا الوجود ومعه العملية السياسية. ويتحدث زيباري عن الزيارة التي قام بها إلى بغداد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد والتي رافقه خلالها بوصفه رئيساً لبعثة الشرف. ويكشف أن الزعيم الليبي معمر القذافي حاول التذرع بوجود قوات أجنبية تحتل العراق لعدم المشاركة في القمة، فتدخّل أميرا الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وحمد بن خليفة آل ثاني مؤكدَيْن وجود قواعد لقوات أجنبية في بلديهما وفق اتفاقات مع السلطات. وهنا نص الحلقة الثانية:
هل كان التعامل مع سورية صعباً في موضوع مرور المقاتلين عبر أراضيها؟
- كان هناك قرار سوري، وكان مرور المقاتلين يتم بعلمهم وبتسهيل منهم، وغرضهم كان مقاومة الاحتلال وإفشال المشروع الأميركي-الغربي في إقامة ديموقراطية في الشرق الأوسط، أو إفشال النموذج الديموقراطي في العراق. كانوا قلقين من مسألة الديموقراطية. النموذج الذي طرحه العراق أخاف أنظمة عديدة. أعرف اليوم ما يقال عن هذه التجربة وعثراتها، لكن لم يكن أمراً بسيطاً أن يذهب العراقيون إلى صناديق الاقتراع في انتخابات حرة بعد طول إقامة في قبضة الحزب الواحد. أقول إن سقوط صدام حسين، وبغض النظر عن الاحتلال، كان تمهيداً أو بداية لثورات «الربيع العربي». وأذكر أنه جرت تظاهرات في العراق واجتمعنا في مجلس الوزراء ووجدت رئيس الوزراء السيد نوري المالكي والوزراء قلقين واقترحوا إجراء إصلاحات، فاستمهلتهم قائلاً: أنتم ممسكون بأقوى نظام وأفضل نظام إذا عرفتم كيف تديرون العملية، وطلبت منهم أن يرصدوا ما هي مطالب الجماهير العربية وما هي مطالب العراقيين. لدينا في العراق مشاكل في الكهرباء والخدمات وسوء إدارة، لكن مشكلة الأنظمة (التي واجهت ثورات شعبية) كانت سوء الحكم، حيث الشعوب كانت تشعر أنها مهمشة لا رأي لها ولا قرار، في حين أن موقفنا في العراق قوي جداً ولدى الناس إحساس بأنهم يستطيعون التعبير عن خياراتهم من خلال صناديق الاقتراع، ودعوتهم إلى الالتفات إلى الفوارق.
هل ترى أنه كان هناك اتفاق إيراني – سوري لإفشال التجربة الديموقراطية في العراق؟
- يجب أن نميّز، الإيرانيون كانوا يريدون إفشال الأميركيين والوجود العسكري الأميركي لا إفشال التجربة الديموقراطية، بينما السوريون كانوا يريدون إفشال الأميركيين والتجربة الديموقراطية. هم اتفقوا على الهدف الأساسي واختلفوا على التفاصيل. إيران، على عكس سورية، كانت الدولة الأولى، حين تأسس مجلس الحكم وكان بريمر لا يزال هو الآمر الناهي في شؤون العراق، التي أرسلت وفداً رسمياً من وزارة الخارجية و «الحرس الثوري» إلى مقر مجلس الحكم لتهنئة المجلس بتشكيله سنة 2003.
الأميركيون قبل الحرب تحدثوا مع الإيرانيين في جنيف أكثر من مرة وعلى مستوى مسؤولين، وتداولوا في مسائل فنية عملياتية، وموضوع الأجواء ومسائل الحدود. واستمرت هذه اللقاءات إلى أن وقعت الحرب والى ما بعد سقوط صدام. وقد عمد الأميركيون إلى قطع هذه العلاقة، وعندما سألناهم عن السبب قالوا إنه كان لديهم مجموعة من المطلوبين من «القاعدة» يعرفون أنهم موجودون في إيران، التي امتنعت عن تسليمهم.
عند شن الحرب الأميركية على العراق هل كانت إيران على علم؟ هل كانت سورية على علم؟
- اعتقد أن إيران كانت على علم وكذلك مجموعة من الدول العربية. ونجد الدليل إذا قرأنا المذكرات التي نشرها القادة الأميركيون العسكريون والسياسيون حول ما قدمته هذه الدول.
الأميركيون أخطأوا في التعامل مع الجانب السوري، فالقيادات الميدانية الأميركية كانت تؤكد أنه لا بد من منع سورية من تقديم هذه التسهيلات (للمقاتلين) لأنهم يساهمون في قتل الأميركيين والعراقيين، واعتبروا أنه يجب أن يكون هناك رد عنيف على سورية وأن يصار إلى بعث رسائل قوية جداً إلى السوريين. السياسيون والديبلوماسيون كان لديهم رأي آخر. كولن باول زار سورية من باب الدبلوماسية فرأى السوريون في زيارته ما يؤكد أهميتهم، وكذلك بيل بيرنز (وكيل وزير الخارجية) زار سورية أكثر من مرة في محاولة لإقناعهم بمنع المتسللين والتشدد على المنافذ الحدودية وفي المطار. لمس السوريون التردد الأميركي فاستأسدوا. وكان الرئيس بشار يفاخر بأنه استقبل كولن باول ورفض الشروط التي حملها. الاتصالات الأميركية شجعت السوريين على اعتبار موقفهم سليماً.
كوزير خارجية العراق مَن التقيت من المسؤولين الإيرانيين؟
- التقيت كل القيادات الإيرانية من المرشد الأعلى السيد علي خامنئي إلى الرؤساء محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني وأحمدي نجاد إلى قاسم سليماني (قائد فيلق القدس) طبعاً اضافة إلى وزراء الخارجية. الإيرانيون تعاملوا بذكاء وحنكة مع السلطة الجديدة في العراق ومن باب الأمر الواقع، كونهم حاولوا جاهدين إسقاط صدام بكل ما أوتوا من قوة خلال الحرب العراقيةالإيرانية وفشلوا بسبب الدعم الغربي والعربي (لصدام). وجاءت أميركا لإسقاط أكبر وألد أعداء إيران، فبالتأكيد كان ذلك مفرحاً لهم، لذلك من منطق الأمور أن يساعدوا لا أن يعرقلوا التغيير.
الإيرانيون كانوا خائفين من استمرار تواجد القوات الأميركية على حدودهم في أفغانستان وفي العراق، وكان لديهم تصور أن الأميركيين لن يغادروا العراق بل جاؤوا ليبقوا فيه، وكذلك ظن السوريون. وكنا دائماً نطمئن القيادتين الإيرانية والسورية إلى أن الأميركيين سيغادرون العراق. راجت روايات كثيرة، منها أن الأميركيين جاؤوا لوضع يدهم على النفط، وأنهم سيقيمون قواعد عسكرية دائمة على أرض العراق. حاولنا طمأنة المتخوفين لكن كانت لبعضهم مصلحة في ألاّ يصدق.
في أول اجتماع حضرته للجامعة العربية دعانا وزير خارجية مصر إلى غداء، وهي دعوة تقليدية يوجهها إلى كل وزراء الخارجية العرب المشاركين في اجتماعات الجامعة. جلست مع الأمير سعود الفيصل وفاروق الشرع وأحمد ماهر ووزير الخارجية الكويتي وعمرو موسى. وبدأ فاروق الشرع يوجه إليّ أسئلة فيها شيء من الاستفزاز. وكانت قد بدأت بعض أعمال المقاومة، فقال لي الشرع إذا قُتل للأميركيين مئة أو مئتا جندي في العراق هل تعتقد يبقون فيه؟ قلت له إنني لست في موقع التحدث نيابة عن الأميركيين ولكن أعتقد أنه لو قُتل منهم أربعة آلاف أو خمسة آلاف لن يغادروا العراق، لأن أميركا التي دخلت إلى العراق غير أميركا التي دخلت إلى الصومال وانسحبت منه بعد إسقاط طائرة «بلاك هوك»، وغير أميركا التي تعرض مقر المارينز التابع لها في بيروت لتفجير فغادرت لبنان. أميركا بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) ستبقى حتى لو واجهت مقاومة وخسرت جنوداً، فغالبية هؤلاء الجنود ليسوا أميركيين بل غرباء تم تزويدهم ببطاقات خضراء (أذونات إقامة في الولايات المتحدة)، فقال لي سننتظر ونرى. وفي لقاء به بعد سنوات ذكّرته بتلك المحادثة وكان عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق وصل إلى أكثر من ألف وما زال الأميركيون يعززون قواتهم في العراق.
الخوف الإيراني والسوري كان من التواجد الأميركي ومن انتقال تلك التجربة الديموقراطية التعددية إلى دول أخرى. لكن هناك فوارق في الحسابات. الإيرانيون، عكس السوريين، رأوا أن جميع مَنْ في الحكم في العراق أصدقاء لهم، من شيعة وأكراد، وعلينا أن نعاونهم ونساعدهم. السوريون كانت نظرتهم سلبية إلى كل الأمور.
المرشد علي خامنئي كان دائماً يحذرنا من الوثوق بالأميركيين، قائلاً إنهم لم يأتوا إلى العراق لمصلحتكم بل لمصالحهم الخاصة، وأنتم كقوة شعبية يجب أن تُفشلوا مخططاتهم وتكونوا أصحاب السلطة الحقيقية، وهذا التواجد الأميركي يجب أن ينتهي في أسرع وقت ممكن. هذا الموقف كان يتردد في الجلسات الخاصة والعلنية معه، وكذلك كان موقف أحمدي نجاد، وهو ذكي، وكان أول رئيس يزور العراق سنة 2007 وكنت أنا رئيس بعثة الشرف لمرافقته ونزل في مطار بغداد حين كان عندنا 170 ألف جندي أميركي، ورأى الحجم الهائل من الدبابات والأسلحة والقوات الأميركية بأم العين. الأميركيون لم يعترضوا على زيارته بعد أن أبلغناهم بهوية الضيف المرتَقب، بل على العكس رحبوا بالزيارة. واستفسر أحمدي نجاد عما رأى من قوات أميركية في المطار فقلت إن هذه واحدة من القواعد الموجودة في العراق، وهناك قواعد أضخم في أنحاء أخرى. كان متوجساً خلال الزيارة، لكننا عمدنا إلى تطمينه، وهو كان يثق بنا، وكان يمر على نقاط سيطرة للأميركيين لكن التنسيق المسبق معهم سهّل مرور الموكب. والفريق الذي كان ينسق معنا جميع أفراده أميركيون. في أحد نقاط السيطرة تم اعتراض موكب الرئيس أحمدي نجاد على جسر معلق عند خروجنا من المنطقة الخضراء، وقال لنا الجنود الأميركيون إنهم أوقفوا الموكب لالتقاط صور مع الرئيس الإيراني. فطلبت من المنسق الأميركي إفساح الطريق منعاً لأي إحراج. وأبلغت الرئيس أحمدي نجاد برغبتهم ممازحاً، فلم يمانع، وقلت له إننا لن نتركه يغادر السيارة.
الزيارة كانت جيدة، وأبدى الرئيس أحمدي نجاد رغبته في زيارة الكاظم. وفي ذلك الوقت كانت هناك تفجيرات وقتل طائفي وكانت هناك مخاوف أمنية، لكننا عمدنا إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة. وزيارة أحمدي نجاد كأول رئيس إلى بغداد بعد سقوط صدام كانت خير مؤشر إلى العقلية الإيرانية. في المقابل، الرئيس بشار الأسد لم يزرنا في بغداد رغم أننا دعوناه مرات عدة. الملك عبدالله الثاني زارنا لساعات، رجب طيب اردوغان زارنا، الأتراك قاموا بزيارتين إلى بغداد، والإيرانيون زارونا أكثر من مرة، إلى أن زارنا المسؤولون العرب لحضور القمة العربية في بغداد.
هل لقاسم سليماني دور مهم؟
- هو من أبناء الثورة. بين الحكام الإيرانيين الفعليين، عدا القيادات الدينية، هناك حلقة من قيادات «الحرس الثوري» الذين كانوا من نواة الحرس منذ زمن، من جيل مصطفى شمران. هؤلاء كانوا مجموعة من شباب الثورة الذين انخرطوا في الحرس وفي الحرب العراقيةالإيرانية وعملوا على حماية الثورة وعملوا في المخابرات والأمن. مجموعة يعرف بعضهم بعضاً ويؤلفون حلقة، بينهم سفراء ومسؤولون مهمون. قاسم سليماني واحد منهم، ويمكن اعتباره كبيرهم. وقد التقيته قبل اجتماعات بغداد النووية وسألته إن كان لديهم جديد في الملف النووي أو أنها مباحثات لأجل المباحثات. دوره مؤثر، هو قائد فيلق القدس وهو مستشار للمرشد، الذي يستمع إليه في قضايا السياسة الخارجية، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا العراق والخليج ولبنان، كون سليماني ضليعاً فيها، وهو يتحدث اللغة العربية بشكل جيد ولديه معرفة شخصية مع قيادات البلدان المعنية.
هل ساهمت إيران في قتل الأميركيين في العراق؟
- بالطبع، لكنها لم تدعم «القاعدة» كما يتردد، بل دعمت بعض المجموعات الخاصة special groups، فضمن «جيش المهدي» مثلاً هناك مجموعة خاصة يتهم تدريبها وتوجيهها لتنفيذ عمليات. وسورية ساهمت بالتأكيد في قتل أميركيين وتفجير سيارات. سورية شنت حرباً مفتوحة علينا أدت عملياً إلى مقتل عشرات الآلاف من العراقيين.
ومن مصائب الدنيا أننا في 2009 عندما أردنا التوجه إلى مجلس الأمن لتحويل النظام السوري إلى محكمة دولية بعد التفجيرات التي استهدفت وزارات عراقية عدة بينها الخارجية، وأصررنا -نوري المالكي وأنا- على هذا الطلب، خالفنا رئيس الجمهورية ونواب الرئيس والبرلمان والدول العربية وأميركا. في اجتماع جنيف حيث كنا بين المدعوين مع وزراء خارجية مجلس الأمن، ذكّرتهم بتلك الحادثة، وقلت للأمين العام للأمم المتحدة إنه كان يجلس وراءك شخص اسمه أوسكار فرنانديز كنت أتمنى لو ينضم إلينا في هذا الاجتماع، فنحن في 2009 عندما أردنا أخذ النظام السوري إلى محكمة دولية لمحاسبته ومعاقبته على دعمه للإرهاب، كنا نصرخ مطالبين بتخليصنا من ذلك الإرهاب، فما كان منكم إلا أن أرسلتم إلينا فرنانديز، الذي أعد تقريراً لم يطلع عليه أحد. وسُقْتُ هذا المثل لأقول لهم إن العراق ليس في صف بشار الأسد أو في خانة دعمه، لدينا مآخذ عديدة على سورية على رغم أن بيننا مصالح أخرى، لكن ذلك موضوع آخر. نحن نخشى مثلاً أن ينتقل هذا النزاع الحالي، من حرب أهلية أو مذهبية بين السنة والعلويين، إلى العراق، فيقوم سنّة سورية بالاندماج مع سنّة العراق في المناطق الغربية.
إذا طال النزاع في سورية هل يعزز ذلك التقسيم في العراق؟
- ذلك يعتمد على كيفية انتهاء النزاع. وبعيداً من المشاعر والشعارات، إن كانت هناك عملية سياسية منضبطة مدروسة محبوكة فلا خوف، لكن الأمر يختلف إذا لم تكن العملية مضبوطة.
في رأيي أن الوضع بعد ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا سيلزمه سنوات قبل أن يستقر. إذا أخذنا العراق مثالاً فأميركا بكل قوتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، والأمم المتحدة والدول الأوروبية بكل ثقلها، جميعهم يساعدوننا في عملية الانتقال السياسي إلى جو معين وبعد كل هذه السنوات لم يستقر الوضع، فما بالك بليبيا؟ هل نتوقع أن يتمكن شخص كائناً من كان من تنظيم ليبيا؟ وكذلك إذا حدثت فوضى في سورية وأصبح ل «الإخوان» والسلفيين والجهاديين و «القاعدة» مكان وملاذ. في اليمن هناك الآن معارك ومواجهات بين «القاعدة» والجيش والأميركيين.
مَنْ من الرؤساء الذين التقيتهم استوقفك ولك معه ذكريات؟
- أنا التقيت الملك عبدالله بن عبدالعزيز أكثر من مرة والرئيس علي عبدالله صالح وأمير قطر وملك البحرين وعلاقتي مع جميع القادة علاقة احترام متبادل ويتابعون عملي ويثنون عليه. أمازح أمير قطر (السابق)، وهو مَرِح بطبعه، وأقول له إن ما يلفتني لدى المسؤولين القطريين هو أنهم يحبون عملهم، من الأمير إلى ولي العهد إلى الشيخ حمد بن جاسم.
حدث مرة جدل ونقاش مع معمر القذافي في مؤتمر القمة العربية في سرت (ليبيا) الذي سبق قمة بغداد. علاقتنا مع القذافي وثيقة وقديمة تعود إلى الثمانينات وكان يدعم المعارضة العراقية والأكراد ويمدنا بالمال. في 2004 في القمة العربية في الجزائر حضر القذافي وتوجهت للسلام عليه فرحب بي وقال: الأكراد أحباؤنا وسأل عن أحوالنا، وكان معنا الرئيس العراقي الشيخ غازي إلياور الذي توجه للسلام على القذافي، الذي بقي جالساً على كرسيه ولم ينهض للسلام. ألقى القذافي خطاباً مطولاً وتطرق إلى أوضاع العراق والأميركيين، وقال إنهم جاؤوا بأناس نصّبوهم حكاماً ومسؤولين ونعرف أن صدام كان مجنوناً لم يُحسن التصرف لكن هذا ليس مبرراً لما قام به الأميركيون، الذين نصّبوا رئيساً جَرْبَة (الرئيس من عشيرة شمَّر واسمه الكامل غازي عجيل الياور الجَرْبَة) وليس كمثل ذلك المناضل الكردي الجالس خلفه الذي قاتل وجاهد وكافح (وكان يقصدني). وقال القذافي في ذلك الخطاب إنه ليس رئيساً بل فيلسوف، والحديث مسجل.
الناس كانت تهاب القذافي ولكن نحن بحكم علاقتنا معه نعرف أن طبعه بدوي ولكن إذا واجهته يتراجع، بخلاف مَنْ كانوا يقولون له سمعاً وطاعة. ولاحظت أن كل الرؤساء والقادة العرب كانوا يحسبون للقذافي حساباً ويتفادونه في الاجتماعات ويتجنبونه حتى لا يُحرجوا. وكان هناك مشروع قرار في المجلس الوزاري للجامعة العربية أن تعقد القمة العربية المقبلة في بغداد والمفروض أن تقر القمة مشروع هذا القرار ليصبح نافذاً. ولم يحضر حينها الرئيس العراقي ورئيس الوزراء تلك القمة في سرت في 2010 لأن نتائج الانتخابات العراقية كانت ستصدر، فمثّلتُ العراق وكنت رئيس وفد العراق في القمة. شعرت أن معظم القادة يهابون القذافي بل ويتجنبون الحديث معه. خلال قراءة عمرو موسى آخر القرارات غادر القذافي قاعة الاجتماع لفترة بسيطة ومعه (أمين المراسم) نوري المسماري، عندما عاد إلى القاعة وجد الأوراق المطبوعة وفيها قرار عقد القمة المقبلة في بغداد، فاستغرب وقال: ما هذا يا عمرو؟ كيف تصوتون وتقررون عقد قمة عربية في بغداد ورئيس القمة الحالية غير موجود؟ هل نضحك على أنفسنا؟ سأخبركم عن عقد قمة في بغداد: بغداد التي ترزح تحت الاحتلال وبغداد التي كتب دستورها بريمر وهناك صراع مذهبي بين الشيعة والسنّة... أنا لن أشارك في قمة عربية تُعقد في بلد فيه قوات أجنبية محتلة.
أنا باعتباري رئيس وفد العراق من المفترض أن أرد عليه، لكن الكل دعاني إلى الهدوء. بشار الأسد وأمير قطر. فقال عمرو موسى للقذافي: هذا قرار من مجلس الجامعة يا سيادة القائد وتمكنكم مناقشته إذا شئتم، وكان موقفه سليماً معنا. رفعت يدي طالباً الحديث فقال عمرو موسى إن رئيس وفد العراق يريد التحدث، فقال لي القذافي تفضل يا زيباري، فقلت له يا سيادة القائد حديثي معك سيكون من القلب إلى القلب. إذا كان هناك من رئيس عربي قدّم دعماً ومساندة للعراق وللمعارضة العراقية من كل الرؤساء الحاليين أو السابقين، فهو أنتم. أنت الوحيد الذي مدنا بالمال والسلاح والتدريب والتأهيل وبكل أشكال الدعم، فلذلك أتعجب منك ومن هذه السلبية الحادة لقائد الثورة. سيادة القائد أسألك سؤالاً أرجو أن تجيب عليه بصراحة: أنت لن تأتي إلى بغداد بسبب وجود قوات أميركية وقواعد أميركية؟ قال بالطبع هذا السبب، فالعراق بلد عربي محتل، قلت له: السنة الماضية كنا في قطر، أليس في قطر قواعد أميركية؟ ونحن لدينا اتفاقات منظمة مع الأميركيين. رفع أمير قطر يده للحديث وقال: الأخ القائد معمر، ما يقوله زيباري صحيح، فنحن في قطر لدينا قواعد أميركية، وهذا ليس سراً، وهي موجودة وفق اتفاقات منظمة ولدينا سيادتنا. الشيخ صباح أمير الكويت رفع يده للحديث وقال: أخ معمر، في الكويت ليس لدينا فقط قواعد أميركية بل أيضاً قواعد بريطانية وفرنسية، ولكن ضمن اتفاقات تضمن سيادتنا. فعلق القذافي قائلاً: «يبدو ان الأمة العربية كلها محتلة ونحن لا نعلم». فضحك الجميع، ودار هذا الحديث في جلسة مغلقة. ثم قلت للقذافي: من غير المعقول ألاّ تحضر فالعراقيون جميعاً يحبونك ويذكرون دعمك والقمة لا تُعقد من دون رئيس القمة. لذلك لا نقبل اعتذارك، فالقمة ستعقد وأنت بالذات يجب أن تحضر. أمير الكويت دعمني، وكذلك أمير قطر، وقالا: هذا قرارنا، فقال القذافي: الله كريم، إلى ذلك الوقت.
عُقدت القمة العربية في بغداد؟
- تأجلت القمة وعقدت في آذار (مارس) 2012. لم تعقد قمة في 2011 بسبب ثورات «الربيع العربي». لم نوجه دعوة إلى الرئيس السوري بشار الأسد لأننا التزمنا قرار جامعة الدول العربية بالمقاطعة، وحضر مصطفى عبدالجليل ممثلاً ليبيا.
وزير خارجية العراق يروي ل«الحياة» محطات من تجربته على خط الزلازل ... زيباري: ابتهجت دمشق بتنحي مبارك واعتبرت نفسها محصنة ضد «الربيع» (1)
(غداً حلقة ثالثة)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.