عاد العراق إلى القمة العربية، غابت سورية رغم حضورها الطاغي مع الثورة. السودان لم يعد كما كان قبل انفصال جنوبه، وطبول حربه تهدد بسودان ثالث... أما ليبيا الثورة التي تحضر القمة في غياب القذافي وألاعيبه ومفاجآته ورعونته، فهي أيضاً باتت تحت سيف الانفصال بعد «اشتباك» على الفيديرالية. هو تهديد بانفصال قبيلة في الجنوب، تتطلع الى «حلم» جنوب السودان. في القمة مقعد لتونس «الياسمين» وآخر لمصر الثورة، وثالث ليمن المرحلة الانتقالية، وجوه جديدة لم تألفها مؤسسة القمة بعد. وإن كان من مفارقة في استضافة بغداد مؤتمر القادة العرب للمرة الأولى منذ 22 سنة، وفي غياب ديكتاتورية «البعث»، بعد سنة ونيف من عمر «الربيع العربي»، فالمفارقة الأخرى أن سورية «البعث» غائبة بزعامتها، حاضرة بأكثر من 9 آلاف شهيد سقطوا في الصراع بين السلطة والشارع. والمفارقة الثالثة أن أول مَن أعلن عودة العراق الى محيطه العربي، من قاعة المؤتمر هو وزير الخارجية العراقي (الكردي) هوشيار زيباري. حتى في العراق الذي يستضيف قمة «الربيع»، بين أكراده من لا يزال يلوّح بورقة تقرير المصير، وبين عربه مَن لا يزال يشكو «الديكتاتورية الجديدة»، وهيمنة إيران الحاضرة في القمة ايضاً خلف سُحب مأساة القتل في سورية. والأكيد أن رسالة الرئيس محمود أحمدي نجاد وصلت إلى القادة عشية مؤتمرهم في عاصمة الرشيد المحاصرة بقبضة الأمن، وتداعيات ما بعد ثورات العرب، وانتفاضاتهم، وانقساماتهم على وقع رياح مذهبية، يغذيها صراع القوى الإقليمية والدولية على المنطقة. رسالة نجاد أن إيران وسورية ولبنان مثلث لن تنفصم أضلاعه، في مواجهة «مؤامرات» يحيكها الغرب وبعض العرب تحت ستار «الربيع» وثوراته، كما يظن. وفيما المطروح أمام القادة في بغداد تنديد بمجزرة بابا عمرو و «جرائم ضد الإنسانية» في سورية، يصفّق نجاد لأداء السلطة في دمشق وإدارتها الصراع مع معارضيها... بل لا يخفي إعجابه ب «حكمتها». الأكيد أن الرئيس الإيراني لم يعد يتردد في تصعيد لهجة عدائية ضد بعض دول الخليج التي يستخدم نجاد ما يراه دوراً لها في «المؤامرة» لتخفيف الضغط عن حليفه السوري. وإن كان بين القادة العرب مَن سيثير في القمة شكاوى من «ابتزاز» إيراني، عبر شبهات بتحريك الشارع البحريني مجدداً، لمقايضة تهدئة هناك بتخلٍ خليجي عن محاولات تبني شرعية بديلة للنظام في دمشق... فالحال ان أحداً لن يمكنه التكهن بالمدى الزمني لاضطرابات «الربيع»، وإحباطات صعود الإسلاميين، ولا كيفية معالجتها أو السيطرة عليها، ولا تبديد ريبة مما يسميه بعضهم الهدف الغربي الخفي وراء ركوب حصان «الإخوان المسلمين». قمة القمم في بغداد، الأولى في عهد ثورات العرب، تُعقد في ذروة انعدام الوزن، ومثلما لم يكن وارداً خلال العقدين الأخيرين مثلاً أن تستخدم مؤسسة القمة معاهدة الدفاع المشترك دفاعاً عن سيادة أي دولة عربية، ليس مطروحاً أن يتبنى «إعلان بغداد» تشكيل جيش للتدخل السريع، يُرسَل حيث يرتكب أي حاكم عربي مجازر بحق شعبه، باسم التصدي ل «مؤامرات الإرهابيين» وأعوانهم في الخارج. ليس المقصود أن مؤسسة القمة ومؤتمراتها فقدت وظيفتها في عصر «الربيع»، بعد ما قيل الكثير عن ضياع دور الجامعة العربية. لكن ما تشي به أحوال مصر وتونس وليبيا واليمن، بعد إطاحة حكامها، ومشاهد المأساة السورية، يحتّم أولاً إعادة تعريف السمة الجامعة للعرب، وتجديد السؤال حول قدرتهم على بناء نظم ديموقراطية تعددية، أولى ضروراتها عدم استغلال الدين لتورية مآرب السياسة، والثانية التسليم بالانتخاب. العراق «عاد الى العرب» من بوابة القمة، النظام السوري طلّق العرب ومبادراتهم، إذ لا يزال يتكئ على دعم روسيا والصين وإيران. والأهم أن مشروع القرار «السوري» أمام قمة بغداد، يستجيب لغة الروس في مقاربة الحل السياسي من خلال حوار بين نظام الرئيس بشار الأسد ومعارضيه. توارت إذاً كلمة التنحي، لكن الأكيد أن ما يراهن عليه كثيرون من العرب هو عجز النظام عن سحب الجيش من المدن، ووفاة سريعة لمبادرة أنان... ليعود الجميع إلى المربع الأول.