الصدق كلمة رائجة ومكدسة في محطات حياتنا المتلونة بعبق النرجس وسوريالية المشهد «المتصاعد الهابط» بين الفينة والأخرى. من منا لا يقرأ قصص المثالية والحرية والأمان، ومن منا لا يحلم بأن يسكن وطناً تتزين فيه الحرية ببراءة الطفولة المجردة من عناوين الكذب المفعمة بدهاليز السياسة والشعبوية. بالتأكيد ان الصمت سيد الموقف إزاء تلك التمنيات التي طواها الدهر تزامناً مع انقراض الديناصورات وشريعة لا تعرف من الحقيقة إلا التقمص والإقصاء. الكل يحلم بأن يكون روميو محباً لوطنه وليس لجولييت، حتى ان قصة العشق التي عاشها قيس وليلى سلبت من مسامعنا واستُبدلت بأكذوبة لا تعرف من الانسانية الا النسيان والتوحش السياسي. هكذا هي ملامح القصص التراثية المسماة بالصدق. قصص لا نعرف من أمور تطبيقها إلا الكذب وعلامات ترتسم على وجوهنا مبتسمة لتخفي بؤس مرارة الواقع، حتى ان الاطفال غادروا قصص البراءة الجميلة، لتتجسد على وجوههم مؤشرات تخلو من عناوين الطمأنينة والمستقبل. مروراً بطيات صفحات قصص الصدق، قال لي احد الاصدقاء ذات يوم: «كم بقي من عمري؟»، فرددت عليه: الأصح ان تقول ما قاله شكسبير: «على المرء أن ينتظر حلول المساء ليعرف كم كان نهاره عظيماً». ان حياة الانسان تسير بعكس مقولة شكسبير، فالليل أصبح ستاراً لمن يريد الهروب من أمام واقع نهاره، حتى ان الخطابات السياسية أصبحت تبريراً للهيمنة والسادية ولم تعد تفرق بين النهار والمساء وصولاً الى ساعات الفجر. ان ابتعاد الانسان عن ابتسامة التفاؤل جعله عديم المعرفة بجوهر إشراقة الصباح الباكر، باعتباره (في اشارة الى الجوهر) حياة جديدة تجدد الفكر نحو المستقبل، فقيمة الوجود بالعقل وليست بالمادة، فالافكار تبقى الى الأبد، أما المادة فإلى زوال، وليست للمظهر والتصرفات الحركية قاعدة حتمية للاستمرار، بل الحتمية تكمن في الفكر السليم الذي يقود الى تصرفات سليمة. المشكلة ليست بالقاعدة النظرية وترتيب الكلام جناساً على طباق، وليست كذلك بملاءمة الاطار الزماني والمكاني، بل تكمن المشكلة في جوهر يترنح بين ال «أنا» والذات المختطفة. اذاً، سوريالية المشهد ونرجسية المكان لا تعنيان ان الانسان عديم المعرفة بال «أنا» وال «آخر»، بل يكمن المعنى بجهل المجالات الحياتية ومعرفة ان لكل مجال أسلوبه المحدد وظروفه المختلفة.