تبين أمس أن إبرام «صفقة جنيف» بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف «ليست سوى خطوة أولى» لحل الأزمة السورية، مع إبقاء واشنطن «فعلياً» على التهديد بعمل عسكري ضد نظام الرئيس بشار الأسد. ويستقبل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اليوم وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ وكيري الذي عاد من إسرائيل بعد إطلاع رئيس وزرائهابنيامين نتاياهو على مضمون الاتفاق مع الجانب الروسي، بحضور وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي عاد من بكين بعد محادثات في شأن مشروع قرار دولي يصدر بموجب الفصل السابع لإلزام النظام السوري بتنفيذ «صفقة جنيف». وينتقل فابيوس غداً إلى موسكو للغرض نفسه. ونوه الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلة بثت أمس بما قام به نظيره الروسي فلاديمير بوتين وتحمله مسؤولية دفع الأسد إلى تفكيك أسلحته الكيماوية. وقال في مقابلة مع شبكة «أي بي سي نيوز» سُجلت أول من أمس: «أهنئه (بوتين) على تدخله. أهنئه على قوله: أتحمل مسؤولية دفع حليفه، نظام الأسد، إلى التصرف في الأسلحة الكيماوية». وأضاف: «بوتين وأنا لدينا خلافات كبيرة حول مجموعة من المشاكل. لكنني أستطيع التحدث إليه. لقد عملنا معاً على قضايا مهمة مثل العمليات ضد الإرهاب. إنها ليست الحرب الباردة. ليس هناك منافسة بين الولاياتالمتحدة وروسيا»، موضحاً أن العلاقات بين البلدين كان يحكمها دائماً مبدأ الرئيس الأسبق رونالد ريغان «ثقة (لكن) مع اليقظة». وأكد أن الهدف «هو التأكد من عدم وقوع أسوأ أنواع أسلحة إما في أيدي نظام مجرم وإما في أيدي بعض أفراد المعارضة المناهضين للولايات المتحدة كما للأسد». لكن أوباما رفض ما قاله بوتين عن أن مقاتلي المعارضة السورية مسؤولون عن «الهجوم الكيماوي» قرب دمشق. وكشف أنه والرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني تبادلا الرسائل بخصوص الوضع في سورية، موضحاً أن المخاوف من الطموحات النووية الإيرانية تمثل «لنا قضية أكبر بكثير» من الأسلحة الكيماوية السورية. وقال: «يجب ألا يستنتج الإيرانيون أن عدم توجيه ضربة إلى سورية يعني أننا لن نضرب إيران. من ناحية أخرى ما ينبغي أن يستخلصوه من هذا الدرس هو أن هناك إمكاناً لحل هذه القضايا ديبلوماسياً». وقال كيري في مؤتمر صحافي مشترك مع نتانياهو في القدس إن «التهديد بالقوة يبقى قائماً، التهديد فعلي»، مضيفاً: «نحن لا نثرثر حين يتعلق الأمر بمشكلات دولية». وزاد: «نزع الأسلحة الكيماوية لن يحل الأزمة السورية بل هو خطوة إلى الأمام». وكان كيري يتحدث إثر مشاورات استمرت أربع ساعات مع نتانياهو. وحذر قائلاً: «لا تخطئوا، لم نستبعد أي خيار»، بعدما أدى الاتفاق إلى استبعاد ضربة عسكرية أميركية فورية لنظام الأسد. وأضاف: «هناك دولة استخدمت أسلحة دمار شامل ضد شعبها، إنها جريمة ضد الإنسانية، وهذا الأمر لا يمكن قبوله». من جهته، أكد نتانياهو أن تفكيك الترسانة الكيماوية السورية سيجعل المنطقة «أكثر أماناً بكثير»، مضيفاً: «على العالم أن يتأكد من أن الأنظمة المتطرفة لا تملك أسلحة دمار شامل لأنها قد تستخدمها، وقد أعطت سورية مثالاً على ذلك. يجب أن يواكب الديبلوماسية تهديد عسكري ذو صدقية ليكون لها فرصة للنجاح». من جهته، اعتبر فابيوس خلال زيارته بكين اتفاق جنيف بين واشنطنوموسكو ليس سوى «خطوة أولى». وقال فابيوس خلال مؤتمر صحافي في بكين بعد لقائه نظيره الصيني وانغ يي: «إنه تقدم مهم، لكنه ليس إلا خطوة أولى». وكان الوزير الصيني أعلن «ترحيبه» بالاتفاق. وأشار الوزير الفرنسي إلى أن الاتفاق «يطرح جملة أسئلة: كيفية القيام بعمليات التفتيش؟ ماذا سيحصل إذا ما تم التخلف عن تنفيذ التعهدات؟»، قبل أن يستبعد إنزال «عقوبات تلقائية»، مشيراً إلى أنه في حال تخلف دمشق عن الوفاء بتعهداتها، سيتم اللجوء إلى مجلس الأمن لإصدار قرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز استخدام القوة. وأكد أن اتفاق جنيف أرسى «أسس اتفاق يجب أن تتم ترجمتها اعتباراً من الأسبوع المقبل ضمن قرار في الأممالمتحدة»، مؤكداً أن «المحادثات مع نظيري الصيني (...) تسمح بالتقدم»، من دون أن يوضح أكثر. وفي دمشق، قال مسؤول سوري كبير لوكالة «فرانس برس»: «سورية اعتبرت دائماً أن الاتفاق الجيد هو اتفاق يمكن الجميع أن يكون راضياً عنه. هذه هي الحال مع اتفاق جنيف». وتابع: «نحن صادقون بحق في قبولنا المبادرة الروسية. إذا أبدى الجميع اهتمامهم بتعزيز (الاتفاق) فهذا يجب أن لا يتوقف هنا». وأضاف: «ثمة ناس قتلوا في الميدان، و90 في المئة ممن يحملون السلاح ينتمون إلى تنظيم القاعدة. إلى ذلك، الأمر الأول الذي يجدر القيام به، بالتوازي مع مسألة الأسلحة الكيماوية، هو تحرك العالم أجمع للعمل معاً على وقف تدفق الأسلحة والمرتزقة إلى سورية». واعتبر الاتفاق «خطوة أولى نحو حل سياسي يمر عبر انتخابات ديموقراطية تسمح للشعب باختيار مستقبل بلاده». من جهته، دعا «الائتلاف الوطني السوري» المعارض في بيان إلى توسيع حظر السلاح الكيماوي ليشمل استخدام القوة الجوية والصواريخ الباليستية ضد المراكز السكنية، واعتبر أن «الاقتراحات الروسية تشجع النظام على الاستمرار في سلوكه العدواني داخل سورية، وتعطيه الحيز السياسي الذي يحتاجه لتصعيد حملته العسكرية».