-1- بالأمس زارني في النوم أصدقائي الموتى وكتبوا على سرير مرضي: زرناك، كنت نائماً ولم نرد إيقاظ حلمك الجميل. ورغم شوقنا إليك ما نزال نرتجي لك الإقامهْ. في الأرض حتى بعد أن ضاقت رحابها بالغضب العنيفِ والقتامةْ. -2- من زمنٍ بعيدٍ كان أصدقائي الموتى يلوحون لي بأيديهم ويرسمون في الهواء صوراً مرعبه لجثثٍ على الطريق. أشلاءٍ لنسوةٍ وأطفالٍ وصبيٍة كالضوء كانوا يحلمون بالحياة مثل الناس في «نيويورك» ومثل الناس في «باريس» بيَد أنهم قضوا في لحظةٍ من احتدام شهوة الكبار للزعامةْ. -3- كنت أخاف أن أقرأ ما يرسمه الموتى ويكتبونه على جدار الليل لكنني مذ كَبُرتْ طفولتي واشتعل الشيب على جدار القلب شدَّني ما يرسمونه من صورٍ فاجعةٍ وما تقوله أطيافهم حين يجيء النوم أرعبني ما يكتبونه بلا حبر على دفاتر الفضاءْ -4- من زمنٍ بعيدٍ كنتُ في غَيابةِ النومِ لكنني أحسست أن أصدقائي الموتى يجيئون إلى الحي الذي أسكنه تحطُّ في براءةٍ أرواحُهم على نافذتي، لا يدخلون... يكتفون بالسؤال عني عن حال مَنْ على قيدِ الحياة من رفاق الأمس، ثم يرحلون. -5- يزورني في النوم أصدقائي الموتى، يحدثونني عن عالم الموت الجميل عن نعيمٍ باذخٍ وعن سماءٍ عذبةٍ لا تشبه السماءَ عن بلادٍ حرةٍ لا تشبه البلاد عن فصول زمنٍ كالحلمِ لا مكان فيه لليل ولا مكانَ فيه للنهار! -6- في النوم، راودتني الأحلام أن أزور أصدقائي الموتى وجدتهم هناك يضحكون يمرحون يسبحون في نهرٍ من العطرِ وفي بحيراتٍ من الصداقة المثلى فانطفأتْ ضغائنُ الحياة في صدورهم محاها الموتُ لم يعودوا يذكرون شيئاً عن مرارة الماضي كأنهم أبناء بطنٍ واحده! - 7 - منذ افتقدت - يا أحبتي - فضيلةَ النوم وطال السُّهدُ في عيون الليل لم أعد أرى وجوه أصدقائي الموتى أحزنهم إلاّ تزورني أطيافُهم في النوم أم خافوا الذئاب وهي تُشْهِرُ البنادقْ وتقتل الزهور في الحدائقْ بكتْ قلوبهم حزناً على بلادٍ أفسد الحقدُ هواءَها وماءَها وخَلقَ الشيطانُ من أبنائها أعداءَها. -8- يا أصدقائي الموتى ويا أحبَّ من عرفتُ في طريق العمر لم تكن حياتُنا مفروشةً بالورد بل بالشوك. بيدَ أن شوكَها الآن استطالَ واستكّبر بعد أن تشوهتْ نفوسُ الطيبين واستولتْ على الناس كوابيسٌ من الخوف الثقيل والأوهام. -9 - أنا وحيدُ خائفٌ في أسْرِ هذا الليل يا أحبتي. المدنُ التي كانت تُضاء بالنجوم لا نجومَ فوقها وحولها باتت تُضاء بالحرائقْ التي تلتهم الأرواح والظلال والندى. دروبُها معجونةٌ بالدّم لم تعد أرواحُنا تتابع المواويل التي ترشحُ من نوافذ البيوت انطفأتْ أغانينا تبدّلتْ أنيناً خافتاً وشهقاتٍ مفزعةْ. -10 - يا أصدقائي الموتى: الدِّينُ لم يعد دِيناً والحبُ لم يعد حباً والشمسُ لم تعد شمساً والأرضُ لم تعد أرضاً والبحرُ لم يعد بحراً. تغيرتْ مساراتْ الزمان والمكان واللغاتْ افتقدتْ معانيها والألقَ الذي كان لها حين تكون صوتاً أو كتابةً، حين تكون نغمةً أو صرخةً على الشفاهْ.