ارتقى الرئيس اللبناني ميشال سليمان الى درجة جديدة من الوضوح في موقفه من القضايا اللبنانية الخلافية ولا سيما سلاح المقاومة وتشكيل الحكومة الجديدة، في خطاب مدروس ألقاه صباح أمس لمناسبة العيد ال 68 للجيش اللبناني، فاعتبر ان مهمة الأخير «تصعب لا بل تستحيل إذا استمرت ازدواجية السلاح الشرعي وغير الشرعي»، وجاهر للمرة الأولى بإمكان اللجوء الى تأليف حكومة حيادية «ترعى جميع الفئات وكل الشؤون»، معلناً أن «مهل الاستشارات والبحث والتواصل وتحليل المعطيات على وشك النفاد والاستنفاد» في هذا الصدد. ووجّه سليمان رسالة واضحة متعددة الأهداف بربطه تأليف الحكومة بالقول إن «قسمي وواجبي الدستوري يحتمان تلافي الوصول الى الاستحقاقات المقبلة وذروتها انتخابات رئاسة الجمهورية من دون حكومة فاعلة تتمثل فيها جميع القوى الحيّة في المجتمع والفاعلة في السياسة، وإذا تعذر فلا بد من حكومة حيادية». وبحسب مراقبين، لن يترك الرئيس لحكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة الرئيس المستقيل نجيب ميقاتي أن تتولى سلطات الرئاسة الأولى في ظل المخاوف من أن تقود الخلافات الحالية على خلفية الانقسام اللبناني على الأزمة السورية الى تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أيار (مايو) 2014، أسوة باستمرار الفراغ الحكومي وتعذر انعقاد المجلس النيابي منذ شهرين. وأتبع سليمان موقفه من تشكيل الحكومة «وفق المسؤوليات الدستورية الملقاة على عاتقه ورئيس الحكومة»، بالقول: «لا تعطيل من الداخل ولا تخويف أو هيمنة ولا تدخل من الخارج». وإذ بدا سليمان في كلامه هذا أيضاً أنه يقطع الطريق على حديث عن التمديد له في الرئاسة، وهو أمر دأب على رفضه على رغم بعض الحملات التي تربط مواقفه بسعيه الضمني اليه، فإنه كرّس تحرّره من خيار التمديد له بإعلانه أنه «حتى حلول موعد الاستحقاق الرئاسي المقبل، سأسعى الى تكريس المبادئ والثوابت والمواقف التي التزمت والتي ستشكل أساساً ومنطلقاً لأي عهد مقبل، على صعيد صون الدستور والقانون والحياد في السياسة الخارجية والتزام مصلحة الوطن في السياسة الداخلية». وإذ أشارت مصادر رسمية ل «الحياة»، الى ان قوله إننا «لن نقبع في دوامة الانتظار طويلاً قبل الشروع في تشكيل حكومة الوزن الوطني والمصلحة الوطنية لا حكومة الحصص والتوازنات السياسية»، لا يعني استعجال تشكيل حكومة حيادية إذا تعذرت حكومة تمثل الجميع في القريب العاجل، فإنها أكدت أن موقفه من الاستراتيجية الدفاعية وسلاح المقاومة شكّل نقلة جديدة عما كان أعلنه في خطابه في عيد الجيش العام الماضي عن وجوب إيجاد آلية إمرة جديدة لسلاح المقاومة، بقوله أمس إنه «أصبح ملحاً درس الاستراتيجية الوطنية للدفاع وإقرارها في ضوء التعديل الطارئ على الوظيفة الأساسية لسلاح المقاومة الذي تخطى الحدود اللبنانية»، داعياً الى «تحصين مقدرتنا على المقاومة والدفاع حصراً عن لبنان، وحان الوقت لتكون الدولة بجيشها وقيادته السياسية العليا الناظمة الأساسية والمقررة لاستعمال هذه المقدرات». ورأت أوساط مراقبة أن سليمان غمز بذلك من قناة «حزب الله»، وتمسكه بنظرته لسلاح المقاومة وتدخله في سورية، لا سيما حين أنهى خطابه بالقول: «إن ما لا يريده الشعب اللبناني هو أن تروي دماء أبنائه تراباً غير تراب الوطن المقدس». وإذ كرر سليمان عبارة حصرية إمساك الجيش بالدفاع عن لبنان أكثر من مرة، غمز من قناة منتقدي الجيش فقال إنه «لا يجوز موازنة الأخطاء التي تخضع لآليات محاسبة، بالدور الوطني الكبير الذي على عاتق الجيش فالمطلوب حملة مع الجيش لا حملة عليه»، أكد أن «الجيش ليس في حاجة الى رعاية تبلغ حد الارتهان ولا الى احتضان يبلغ حد الاستئثار والتقييد». وكرر الرئيس اللبناني مواربة، انتقاد التمديد للمجلس النيابي بالقول إنه «لم يعد مألوفاً ولا مقبولاً أن يصادر أحد قرار الشعوب باسم الظروف الاستثنائية، فهذه الظروف تفرض اعتماد الديموقراطية للتطوير والتغيير وليس سبيلاً للتشريع لمنع تداول السلطة». واعتبر أنه «ليس مفهوماً استعمال حق النقض المتبادل بين المكونات اللبنانية في المواضيع الجوهرية وممارسة لعبة المقاطعة والإلغاء والإقصاء المتبادل»، في اشارة منه الى مواقف مختلف الفرقاء من الاستحقاق الحكومي والخلاف على انقعاد المجلس النيابي. وشهدت مناسبة عيد الجيش احتفالات ومهرجانات وأقيم أحدها في وسط بيروت تضامناً معه. وزار وفد من «حزب الله» عصر أمس مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني. وقال رئيس المجلس السياسي في الحزب السيد ابراهيم أمين السيد رداً على سؤال عن ارتباط تأخير تأليف الحكومة بالقرار الأوروبي وضع الجناح العسكري للحزب على لائحة الإرهاب، إن «موضوع الحكومة مفصول عن هذا الأمر والحسابات التي تحول دون تشكيل الحكومة بعضها داخلي ولكن في الأساس هناك حسابات خارجية». وقال إن «الشروط التعجيزية في تشكيل الحكومة تشكل واجهة معينة والذين يضعون هذه الشروط يريدون تغطية الارتباط بالقرارات الخارجية». وإذ أعرب السيد عن «تقديرنا لكل المواقف في الدولة وخارجها التي عبّرت عن مواقف الاعتراض والاحتجاج والحذر»، قال: «هذه يمكن ان تكون التفاتة داخلية ايجابية يمكن أن يبنى عليها». وعما إذا كان يقصد «تيار المستقبل» أجاب: «يدنا مفتوحة للجميع والاتفاق والحوار في لبنان يجب أن يصنعه اللبنانيون». على صعيد التحركات المطلبية، واصل مياومو شركة كهرباء لبنان الذين كانوا ينتظرون صدور قانون تثبيتهم عن المجلس النيابي، تحركهم الاحتجاجي أمس أمام مبنى المؤسسة وقطعوا الطريق بالإطارات المشتعلة مطالبين بإنصافهم.