غلبت ذيول اشتباكات صيدا التي أدت الى سيطرة الجيش اللبناني على المربع الذي كان يتحصن فيه الشيخ أحمد الأسير في منطقة عبرا بعد قتله جنوداً وضباطاً من الجيش والاحتجاجات على مشاركة «حزب الله» في القتال الذي جرى، على المشهد السياسي اللبناني أمس، فيما حال استمرار عمليات التنظيف والتمشيط التي تقوم بها الوحدات العسكرية للأبنية المحيطة بمسجد بلال بن رباح الذي كان يتخذه الأسير مقراً له، دون عودة عشرات المواطنين الى منازلهم المتضررة أو شققهم المدمرة. وعثر الجيش على دهاليز حفرها أنصار الأسير تحت الأرض وعمل على إزالة كل دشم وتحصينات أقاموها. وواصلت القوى الأمنية ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني تعقب الشيخ الأسير المتواري عن الأنظار، وجرى توقيف شخصين تم رصد مكالمات هاتفية بينهما وبين الفنان فضل شاكر وأمجد الأسير شقيق الشيخ أحمد. كما تجري ملاحقة شخصين تواصلا مع الأخير. فيما سلم «حزب الله» الى مخابرات الجيش ثلاث شقق في عبرا، بعد الحملة على تحركاته العسكرية وعلى احتفاظه بالشقق التي كان يتواجد فيها قبالة مجمع الأسير. وجاءت هذه الخطوة بعد الاتصالات التي أجرتها النائب بهية الحريري بقيادة الجيش وبرئيسي الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري، فضلاً عن الاحتجاجات التي نقلتها فعاليات في المدينة على مشاركة «حزب الله» في المعارك. اذ تحدث مفتي صيدا سليم سوسان، بعد زيارته رئيس الحكومة المكلف تأليف الحكومة تمام سلام، عن المعاناة من بعض القوى غير الشرعية وما يحدث من اعتقالات ومداهمات وملاحقات. وساهم تسليم «حزب الله» للشقق في تنفيس الأجواء قبل الجلسة النيابية العامة المتوقعة الاثنين المقبل، والتي ستثار فيها الاتهامات للحزب بالانتشار المسلح وسط معلومات عن مقتل عناصر منه، فيما اوقف الجيش أحد عناصر «سرايا المقاومة» التابعة للحزب، وأحال مجموعة عسكرية منه للتحقيق بعد توقيف عناصرها إثر ظهورهم في شريط فيديو يضربون فيه أحد الموقوفين في محيط المربع الأمني للأسير. وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي طلب ب «التحقيق من بعض الأفلام والصور». وأصدرت قيادة الجيش بياناً ردت فيه على «حملة اعلامية وسياسية رخيصة من خلال فبركة أفلام وتسجيلات صوتية وصور مركبة حول دخول الجيش الى منطقة عبرا ووجود مسلحين يقاتلون الى جانبه». وأكدت ان «الجيش قاتل وحيداً في صيدا» مذكّرة بأن «عناصر مديرية المخابرات يرتدون اللباس المدني». وكانت محطات تلفزة بثت صوراً لمسلحين بلباس غير لباس الجيش وعلى زنودهم شارات صفراء يستخدمها «حزب الله» لتمييز عناصره. ورأت مديرية التوجيه في قيادة الجيش أن «هذه الحملة المشبوهة هي اغتيال ثانٍ لشهداء الجيش» ووصفت الحملة بأنها «فضيحة إعلامية». وقرر علماء مدينة صيدا، وفي ختام اجتماع لهم في دار الإفتاء برئاسة سوسان اقامة صلاة الجمعة اليوم لكل المدينة ويؤمها سوسان في مسجد الزعتري حصراً، وإغلاق باقي مساجد صيدا في الوقت نفسه. «تأكيداً لوحدة موقف المدينة ورفضاً لأي محاولة لاستباحتها أو النيل من كرامة أهلها». وقالت مصادر صيداوية إن الهدف من ذلك منع استغلال أي جهة للأوضاع ووضع اليد على بعض المساجد التي كان لجماعة الأسير تواجد فيها. وتلقى الجيش اللبناني دعماً خارجياً له في المواجهة التي خاضها مع أنصار الأسير من جهات عدة، بدءاً بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقريره عن تطبيق القرار 1701 الذي رفعه أمس الى مجلس الأمن، فأثنى على أداء القوات المسلحة اللبنانية «التي تصدت لتحديات تهدد الاستقرار في لبنان، ودعا القادة السياسيين في لبنان الى تقديم كل الدعم الى الجيش الذي له دور مركزي في استقرار البلاد». وأجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالاً بالرئيس ميشال سليمان عزّاه بشهداء الجيش الذين سقطوا في عملية عبرا، وأكد استمرار بلاده في دعم الجيش «الذي أثبت أنه الضامن الوحيد للاستقرار والسلم الأهلي ومكافحة البؤر الإرهابية». وبينما أجل نائب وزير الخارجية وليام برنز زيارته التي كانت منتظرة اليوم لبيروت الى الأسبوع المقبل، وصلت أمس مساعدة الوزير لشؤون الإغاثة آن رتشارد وأعلنت توفير مبلغ 160 مليون دولار، كمساعدات للاجئين السوريين في لبنان. وفي واشنطن قال مسؤول أميركي ل «الحياة» إن بلاده تؤيد قرار استخدام القوة الحاسمة في صيدا لأنه كان ضرورياً. وعن تقارير اعلامية حول انخراط «حزب الله» في القتال في صيدا قال المسؤول الأميركي: «نحن لسنا موجودين على الأرض ونفهم أن الجيش هو من قام بمعظم المهمة وندعم بالكامل ما قام به». وقال إن «الجيش في موقع الوسط من كل الشرائح وبرع في السنوات السبع الماضية في معرفة متى يستخدم القوة... والجيش يعرف خطوطنا الحمر وتمويلنا محوري لعملياته وإذا كان هناك شعور في واشنطن بأنه منحاز لجهة أو أخرى فهذا سيضر بالمساعدات وبقدرة الجيش». من جهة ثانية جرت اتصالات وتحركات أمس في شأن تأليف الحكومة بعد عودة موفد رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط الوزير وائل أبو فاعور من السعودية حيث التقى الرئيس الحريري، واجتمع وزير الأشغال غازي العريضي مع كل من بري وميقاتي، فيما نقل أبو فاعور رسالة الى سليمان وجرى البحث في الصيغ المطروحة في شأن الحكومة العتيدة. على أن تجرى جولة جديدة من الاتصالات التي قد تأخذ بعض الوقت لتدوير الزوايا مع استمرار رفض «حزب الله» صيغة سلام، المصر عليها، بأن تتوزع الحصص فيها على 8+8+8 من دون ثلث معطّل. من جهة أخرى تسلم العميد ابراهيم بصبوص مهام إدارة قوى الأمن الداخلي اللبنانية بالوكالة من العميد روجيه سالم الذي كان شغل هذا المنصب مدة ثلاثة أشهر بعد أن بلغ اللواء اشرف ريفي سنّ التقاعد نهاية آذار (مارس) الماضي.