عكف الجيش اللبناني على معالجة الثغرات التي شكت منها فاعليات مدينة صيدا (جنوب لبنان) والتي خلفتها الاشتباكات التي دارت الأحد الماضي بين المؤسسة العسكرية وبين إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير ومسلحيه في عبرا وانتهت بسيطرة الجيش على مجمع الأسير. وأعلن الجيش عن توقيف العنصر في «سرايا المقاومة» (التابعة ل «حزب الله») محمود الصوص على خلفية أحداث صيدا من جانب استخبارات الجيش. وتبلغت النائب بهية الحريري من الاستخبارات «إخلاء 3 شقق لحزب الله في عبرا ووضعها في عهدة الجيش». وجرى توقيف المجموعة العسكرية المسؤولة عن ضرب أحد المدنيين في صيدا (وزع شريط على «يوتيوب» بعملية التنكيل فيه) وأحيلت المجموعة، وفق «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية إلى التحقيق، وتراجع عدد الموقوفين نتيجة المداهمات بعد الاشتباكات إلى 170 موقوفاً ويتوقع إطلاق العشرات منهم تباعاً. وتواصل النيابة العامة العسكرية متابعة التحقيقات التي تجريها مديرية الاستخبارات في الجيش مع الموقوفين، وأفرجت عن 35 شخصاً. وأوضحت مصادر قضائية أن هناك نحو 40 موقوفاً سيتم إطلاقهم تباعاً بعدما أثبتت التحقيقات عدم مشاركتهم في الاشتباكات.وذكرت المصادر ل «الحياة»، أن التحقيقات ستتطلب وقتاً، بالنظر إلى العدد الكبير للموقوفين الذين نفوا جميعاً، وفق المصادر، مشاركتهم في الاشتباكات. وسيجري التحقق من أقوالهم عبر إخضاعهم لفحوص على اليدين تبين وجود آثار للبارود. وتحدثت المصادر عن وجود 19 جثة فقط للمسلحين الذين قضوا أثناء الاشتباكات، وأن ثمة عدداً مماثلاً لشهداء الجيش. وكانت الحريري تبلغت من رئيس الجمهورية ميشال سليمان وقائد الجيش العماد جان قهوجي ومدير الاستخبارات العميد إدمون فاضل مسألة إخلاء الشقق، وأبلغت المعنيين وجوب «الحرص على معالجة أي إشكال من خلال حسن التصرف، لتخفيف التوتر الحاصل في صيدا»، وتشديدها على «ضرورة التمييز بين من يصلي ومن يتلقى دروساً دينية في المسجد وبين من يقاتل إلى جانب الأسير». وذُكر أن الحريري تفهمت حاجة الجيش إلى المزيد من الوقت للسماح للمواطنين العودة إلى منازلهم في «المربع الأمني» حيث مجمع الأسير بحلول الإثنين المقبل، نظراً إلى «وجود دهاليز وتحصينات ودشم وجب إزالتها، والجيش يعمل ليلاً نهاراً». وفاة موقوف وكانت الحريري تابعت مع قهوجي وفاضل ومدير فرع استخبارات الجنوب العميد علي شحرور ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، ملابسات وفاة الموقوف نادر بيومي (فلسطيني) خلال خضوعه للتحقيق في مسألة الاشتباكات، وكان مصاباً برجليه، وتبلغت أن الوفاة -وفق الطبيب الشرعي الذي عاين الجثة- سببها سكتة قلبية مفاجئة، وأن قيادة الجيش أوعزت إلى الضباط والعناصر بحسن التصرف والتروي في موضوع التوقيفات. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر في «حزب الله»، أن «الحزب أخلى الشقق بهدف إعادة الهدوء إلى صيدا، بعد احتجاجات -لا سيما في صفوف الطائفة السنية- طالبت بالمساواة في التعامل مع المظاهر المسلحة». وقالت مصادر أمنية إنه جرى أول من امس توقيف شخصين يخضعان للتحقيق بعدما تبين أنهما على تواصل من خلال الهاتف الخلوي مع فضل شاكر وأمجد الأسير (شقيق الشيخ احمد)، وان التواصل حصل وفق الرصد في صيدا ويجري البحث التقني عن مكان تواجد شاكر والأسير. كما ذكرت المصادر أن القوى الأمنية تلاحق شخصين تواصلا مع الشيخ الأسير، أحدهما مسؤول إعلامي مقرب منه. وتحلل الأجهزة الأمنية المعنية رسائل صوتية وُزعت لحظة سيطرة الجيش على محلة التعمير المجاورة لمخيم عين الحلوة خلال معارك عبرا، وتتضمن رسالة للشيخ أحمد الأسير يقول فيها: «خذلونا في حي التعمير». قيادة الجيش وردّت قيادة الجيش - مديرية التوجيه في بيان على ما اعتبرته «حملة إعلامية وسياسية لبنانية رخيصة» بحق الجيش، وجاء في البيان أنه «في وقت كان الجيش يخوض معركة شرسة ضد مجموعة مسلحة تعمل على نشر الفتنة والعبث بأمن البلاد، وفيما كانت تشن على الجيش حملة تكفير وتدعو إلى الجهاد ضده، فوجئ الجيش بحملة إعلامية وسياسية لبنانية رخيصة، من خلال فبركة أفلام وتسجيلات صوتية وصور مركبة، عن دخول الجيش إلى منطقة عبرا ووجود مسلحين يقاتلون إلى جانبه». وأضافت القيادة: «انتظرت قيادة الجيش عبثاً حتى يعي القائمون بالحملة خطورة ما يقترفونه بحق الجيش وشهدائه وجرحاه الذين لا يزالون في حالات الخطر، كما في حق لبنان، عبر بث مشاهد مزيفة وبعيدة من مناقبية الجيش وتربية ضباطه وعسكرييه، فالجيش قاتل وحيداً في صيدا، أما بالنسبة إلى وجود بعض المدنيين المسلحين، فتذكّر قيادة الجيش بأن عناصر مديرية الاستخبارات يرتدون اللباس المدني، إذ سبق أن حصل ذلك في أماكن عدة، وأي تجاوز أمني أو أخلاقي من قبل جندي أو وحدة عسكرية سيكون عرضة للتحقيق العسكري الداخلي، ولاتخاذ أقصى الإجراءات التأديبية». وأسفت قيادة الجيش «لوصول بعض وسائل الإعلام اللبناني، الذي كان رائداً في مجال قول الحقيقة، إلى هذا المستوى من التضليل الذي يكشفه أي خبير تقني بسهولة، وهي لا ترى، مع عائلات الشهداء والجرحى، في هذه الحملة المشبوهة إلا اغتيالاً ثانيا للشهداء، وبدم أكثر برودة»، واصفة الحملة ب «فضيحة إعلامية»، ومؤكدة أنها «كما لم تسكت عن استهدافها عسكرياً وأمنياً، فلن تسكت عن التعرض لشهدائها إعلامياً، وتحتفظ لنفسها بحق اللجوء إلى القضاء المختص، كي يعود الحق إلى أصحابه، وينال المعتدون على الجيش جزاءهم العادل، ويرتاح الشهداء في مثواهم الأخير». ونفت إدارة «مجمع السيدة الزهراء» في صيدا في بيان ما جرى تناقُلُه عن أن المجمع «يُستعمل كمقر لتوقيف أشخاص من صيدا»، مؤكدة «أن الخبر عار من الصحة». وتابع سليمان مع المدعي العام التمييزي بالنيابة القاضي سمير حمود، عملَ النيابات العامة في التحقيق مع الموقوفين المحالين عليها، وأهمية الإسراع في إصدار الأحكام في حق المتهمين منهم. واطلع من العميد فاضل على التفاصيل والمعطيات عن مرحلة ما بعد إنهاء العملية العسكرية في عبرا والمعلومات التي أدلى بها الموقوفون المشاركون في الاعتداء على الجيش. وفي السياق، ثمَّن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي «دور الجيش وتضحياته للحفاظ على كل لبنان أرضاً وشعباً»، وحمّل العماد قهوجي، الذي التقاه في السراي الكبيرة، «تعازيه الحارة لعائلات شهداء الجيش ضباطاً ورتباء وأفراداً»، مؤكداً «دور المؤسسة العسكرية وصونها من كل الأنواء». ورأى أن «من الضروري أن يتعاطى الجيش مع جميع المواطنين بشكل متساو وعادل»، داعياً إلى «تحييد المؤسسة العسكرية عن التعرض لها، لأنها مؤسسة تخضع للقانون وتعمل تحت إشراف الدولة بكاملها». كما تم البحث في «فتح قيادة الجيش تحقيقاً في بعض الأفلام والصور التي يتم تداولها عن الأحداث في صيدا والتي تشكل إساءة إلى صورة المؤسسة العسكرية وانضباطيتها». وكان الرئيس سلام التقى وفداً من صيدا برئاسة مفتي صيدا والجنوب الشيخ سليم سوسان، الذي أكد «أننا ضد أي اعتداء أو تعرض بالإيذاء لجيشنا، الذي هو ضمانة السلم الأهلي ووحدة لبنان». وتابعت بهية الحريري مع الجهات الرسمية والأمنية والبلدية ورش رفع الأضرار وإصلاح الأعطال وتسريع عودة الأهالي إلى عبرا وتأمين الخدمات الأساسية لهم، إلى جانب قضية الموقوفين. والتقت راعي أبرشية صيدا ودير القمر للروم الملكيين الكاثوليك المطران إيلي حداد ومتروبوليت صيدا وصور ومرجعيون للروم الأرثوذكس المطران الياس كفوري هنأوها بسلامتها بعد حادثة إطلاق النار على دارة مجدليون، وبسلامة المدينة من الأحداث التي شهدتها. وعقد الأمين العام ل «التنظيم الشعبي الناصري» أسامة سعد، مؤتمراً صحافياً في مكتبه للحديث «عن مرحلة ما بعد الأحداث الأمنية»، مشدداً «على أهمية بلسمة الجراح». وأشار إلى أنه بادر «إلى الاتصال بالنائب الحريري للاطمئنان. وأتوجه بالتعزية إلى عائلات سائر ضحايا الأحداث الأخيرة، بغض النظر عن انتماءاتهم». وطالب سعد ب «تسريع تسليم جثامين الضحايا إلى عائلات أصحابها، ومعرفة مصير المفقودين، والبت بمصير الموقوفين والمتهمين، وتأمين محاكمة عادلة ونزيهة، ومطالبة الجيش بمنع أي ظهور مسلح، أو مربعات أمنية، أو أي تجاوز من أي نوع اذا وجد». والتقى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني وفداً من علماء صيدا برئاسة مفتي صيدا الشيخ أحمد نصار. الذي طالب ب «إجراء تحقيق شفاف وفاعل وإطلاع اللبنانيين على حقائق ما جرى ويجري»، و «بعودة صيدا مدينة آمنة مطمئنة يتمتع أهلها بالكرامة بوجود الجيش الوطني فيها». وكان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، اعتبر في موقف له أن «ما جرى في صيدا من عدوان على الجيش لا يقره عقل ولا دين، ونحزن لسفك الدماء، فلا يجوز بأي شكل الاعتداء على الجيش، وعلينا أن نواجه المؤامرة التي تحاك ضدنا بالحكمة والصبر، ونبذ الفتن والتعصب، فإسرائيل هي عدونا».