كشفت رسائل وزارية بريطانية مسرّبة أن حكومة غوردون براون دعت اسكتلندا إلى إطلاق ضابط الاستخبارات الليبي السابق عبدالباسط المقرحي المدان في تفجير لوكربي، حرصاً على «المصالح العليا» للبلاد، لتسهيل صفقة كانت متعثرة بين طرابلس وشركة «بريتش بتروليم» العملاقة للتنقيب عن النفط والغاز في ليبيا. ونشرت صحيفة «صنداي تايمز» أمس رسالتين بهذا المضمون بعث بهما وزير العدل البريطاني جاك سترو إلى نظيره الاسكتلندي كيني ماك اسكيل الذي تعرض لاحقاً لانتقادات شديدة بسبب قراره الإفراج عن المقرحي المدان في حادث تفجير طائرة «بانام» الأميركية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية الذي راح ضحيته 270 شخصاً في العام 1988. وأوضحت الصحيفة أن الحكومة البريطانية اتخذت هذا الموقف بعد تعرض مفاوضات بين ليبيا وشركة «بريتش بتروليم» في شأن صفقة للتنقيب عن النفط والغاز تقدر قيمتها بمئات الملايين، إلى «مصاعب كبيرة» تم التغلب عليها بعد ذلك. وذكرت ان سترو كان قد بعث برسائله إلى نظيره الاسكتلندي قبل عامين، «وهي توضح أن القرار الرئيس بأن يصبح المقرحي جزءاً من صفقة مع ليبيا اتخذ في لندن، لأسباب تتعلق بالمصلحة القومية البريطانية». وكان الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي شكر ملكة بريطانيا وبراون ل «تشجيعهما» اسكتلندا على اتخاذ قرار الإفراج عن المقرحي. وأكد نجله سيف الإسلام في مقابلة تلفزيونية أن «قضية المقرحي كانت حاضرة على طاولة المفاوضات خلال بحث عقود النفط والغاز» مع لندن. وواصلت وسائل الإعلام البريطانية أمس التركيز على الجدل الحاد في شأن قرار الإفراج عن المقرحي الذي يعاني مرض سرطان البروستاتا في مرحلة متقدمة. وذكرت صحيفة «صنداي تلغراف» ان وزير الأعمال المتنفذ لورد بيتر مانديلسون اتُهم ب «ممارسة ضغوط سرية من أجل الدفاع عن مصالح ليبيا خلال فترة التفاوض على صفقة عودة المقرحي، في مقابل حصول شركة بريتش بتروليم على هذا العقد الضخم». وذكرت الصحيفة أن سترو كان يرفض تضمين المقرحي في أي اتفاق لتبادل السجناء بين ليبيا وبريطانيا، لكنه «غيّر موقفه بعد ذلك لأن ليبيا استغلت صفقتها مع بريتش بتروليم من أجل الضغط للإفراج عن المقرحي». وتبلغ قيمة صفقة النفط والغاز نحو 15 بليون جنيه استرليني، وأعلنت في أيار (مايو) 2007. وبعد ذلك بستة أشهر، كان الاتفاق لا يزال ينتظر التوقيع عليه، لذلك بعث سترو إلى نظيره الاسكتلندي في كانون الأول (ديسمبر) 2007 رسالة يوضح فيها أن الحكومة البريطانية تخلت عن محاولاتها الرامية الى استبعاد المقرحي من اتفاق نقل السجناء «لدواعي المصلحة القومية العليا». لكن سترو نفى أمس ممارسة أي ضغوط للإفراج عن المقرحي، مؤكداً أن «القرار اتخذته وزارة العدل الاسكتلندية التي تعتبر المؤهلة وحدها لذلك، لأن الشؤون القانونية والأمور الخاصة بالعدالة من اختصاصها وهي تتمتع بالحكم الذاتي في هذه الأمور». لكن هذا لم يمنع ناطقاً باسم وزارة العدل من الاعتراف بأن «الاعتبارات التجارية كانت عاملاً في المفاوضات الخاصة باتفاق نقل السجناء بين ليبيا وبريطانيا»، إلا أنه شدد على أن «الإفراج عن المقرحي تم لأسباب إنسانية تتعلق بمرضه».