ينذر توجه الحكومة الأردنية برئاسة عبد الله النسور إلى رفع أسعار الكهرباء في غضون شهرين، وسريان معلومات رسمية تشي بقرب رفع أسعار الخبز، بأن أيام الأردن المقبلة ستكون صعبة، وسط توجه النسور لإجراء تعديل وشيك على حكومته، ومخاوف غربية من عدم استقرار المملكة، التي تعتمد أساساً على خزانة المساعدات الخارجية. في غضون أعلن الأردن أن الولايات ستقدم منحة للمملكة بقيمة 200 مليون دولار لدعم الموازنة العامة لعام 2013. وطرح الفريق الاقتصادي داخل الحكومة الأردنية سيناريوهات عدة لاحتواء موجة غضب شعبية جديدة، جراء قرارات يتوقع أن تؤثر سلباً على الأردنيين وغالبيتهم من الفقراء، بعدما فجرت قرارات مماثلة في وقت سابق احتجاجات صاخبة قتل وجرح فيها مواطنون وأفراد شرطة، لا سيما داخل المناطق الريفية. وتضمن أحد أهم السيناريوهات ضرورة أن يترافق قرار رفع سعر الكهرباء مع تقديم دعم نقدي يستهدف الفقراء، لتجنيب موازنة البلاد أزمة مالية غير مسبوقة، بسبب فيض اللاجئين السوريين، وشح المساعدات الخارجية، إضافة إلى نقص إمدادات الغاز المصري. وتزود مصر الأردن بنحو 80 في المئة من احتياجات الغاز، غير أن المملكة تواجه صعوبة في توفير إمدادات بديلة، بعد تراجع الكميات المتفق عليها منذ عام 2011. وأفادت معلومات أمس بإمكان لجوء الحكومة لخيار رفع سعر الخبز عبر إزالة الدعم التدريجي عن الطحين، والإبقاء على نظام التعويض النقدي المخصص لمستحقيه. وقال النائب جميل النمري ذو التوجه اليساري ل «الحياة»: «لقد منحنا حكومة النسور الثقة لتعهدها بعدم رفع الأسعار قبل التشاور مع أعضاء البرلمان... التراجع عن هذا التعهد ستكون نتائجه وخيمة، وليست أقل من إطاحتها». ويأمل الأردن أن يظهر خفض الدعم التزامه بالترشيد المالي لكسب ثقة صندوق النقد الدولي ودول غربية وعربية تقدم له مساعدات مشروطة برفع الأسعار. في غضون ذلك، يسعى رئيس الحكومة إلى إجراء تعديل وزاري بلا نواب، لكنه يضمن إرضاء الكيانات العشائرية التي أزعجتها التشكيلة الوزارية الأخيرة، لعدم تخصيص أي حقائب لمناطق البادية أو الأقليات المعروفة بتأييدها التاريخي للنظام، مثل الشيشان والشركس. كما يسعى إلى فك وتركيب الوزارات التي تم دمجها خلال الفترة الماضية، بعد أن اشتكى أعضاء في فريقه بسبب تسلمهم أكثر من وزارة، ما أدى لقصور وإرباك أثناء عملهم. وقال النسور لصحافيين التقوه خلال اليومين الماضيين، إن وزارات عدة «أسندت لوزير واحد، لكننا سنعمل على فكها وتركيبها لإدخال وزراء جدد، من خارج النواب». وينتظر النسور الضوء الأخضر، أي موافقة القصر، لإجراء تعديل يضمن إدخال 10 وزراء جدد لحكومته، مع وجود شخصيات فاعلة داخل صنع القرار ترى ضرورة تأجيله إلى ما بعد رفع سعر الكهرباء. وقال الناطق باسم الحكومة الوزير محمد المومني، إن قرار التعديل الوزاري «بيد الملك وحده»، رافضاً الخوض بالتفاصيل. ونجح الأردن طيلة الأشهر الماضية بتفادي الاضطرابات التي شهدتها دول مجاورة، لكن مسؤولين لدى سفارات غربية في العاصمة عمان أكدوا ل «الحياة» خشيتهم من عدم استقرار المملكة خلال الفترة المقبلة، خصوصاً بعد إقرار وجبة جديدة من رفع الأسعار. ورأى هؤلاء أن ما تحقق من إصلاحات محلية خلال عامي الربيع العربي ليس كافياً، مؤكدين عدم قدرتهم على التنبؤ بمستقبل المملكة للعام المقبل أو الذي يليه. كما أشاروا إلى تخوفهم من ردة الفعل على قرارات رفع الأسعار المرتقبة، لا سيما داخل مدن الجنوب الأردني، والتي لا زالت محتقنة، بسبب مشاجرات عشائرية وطلابية راح ضحيتها 4 مواطنين الأسبوع قبل الماضي. لكنهم أكدوا في الوقت نفسه، أنه ليس أمام الأردن سوى اللجوء لقرارات رفع الدعم لسد عجز الموازنة. وقال ديبلوماسي غربي رفيع المستوى ل «الحياة»: «لدينا خشية متنامية على مستقبل المملكة. الإصلاحات التي تحققت خلال الفترة الماضية اقتربت من العناوين، لكنها لم تدخل بالتفاصيل. لقد كانت نحيفة ولم تغير لا من تركيبة مجلس النواب ولا من الحكومة التي لم تختلف عن سابقاتها». وأضاف «ثمة جهات تمتلك النفوذ تخشى كلفة الإصلاح الحقيقي، فالأردن يحتاج إلى نهج جديد وحكومة جديدة وفق أسس غير تقليدية». وقال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال تصريحات نادرة لمجلة «ذي أتلانتك» الأميركية قبل أشهر، إن ثمة جهات «هدفها تعطيل الإصلاح»، مؤكداً حرصه على إنجازه بشكل متدرج. وقال رئيس الوزراء السابق معروف البخيت، وهو أحد أبرز القريبين من القصر الملكي، أول من أمس، إن الأردن «مقبل على محطات صعبة، وإن القادم إلى المملكة رغم كل ما تجاوزناه سيكون أصعب». في غضون ذلك، نقلت وكالة «فرانس برس» عن بيان لوزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية توقيع اتفاق مع الولاياتالمتحدة تقدم بموجبها الأخيرة منحة للمملكة بقيمة 200 مليون دولار لدعم الموازنة العامة لعام 2013. وقال البيان إن «وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني إبراهيم سيف والسفير الأميركي في عمان ستيوارت جونز ونائب مدير بعثة الوكالة الأميركية للإنماء الدولي دوغلاس بول وقعوا الإثنين اتفاقاً تقدم واشنطن بموجبه منحة نقدية إضافية للأردن بقيمة 200 مليون دولار». وأوضح أن «المنحة التي تم الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس (الأميركي) باراك أوباما إلى المملكة خلال آذار (مارس) الماضي، ستخصص كدعم مباشر للموازنة العامة للعام 2013، بخاصة في قطاعات التعليم والصحة والمياه». ونقل البيان عن الوزير الأردني، أن «هذه المنحة ستساهم في تخفيف الأعباء المالية الناجمة عن استضافة الآلاف من الأشقاء السوريين في المملكة، كما ستساعد الحكومة الأردنية في الحد من الأثر الكبير الذي سببته أزمة اللجوء السوري على الاقتصاد الوطني الأردني بمختلف قطاعاته». من جهته، أكد جونز «سنقوم بدورنا بمساعدة الأردن في تحمل هذه الأعباء»، مشيراً إلى أن «الولاياتالمتحدة ستقف إلى جانبكم في التزامكم تجاه الشعب السوري وفي مواجهة التحديات التنموية الكبيرة التي تواجهونها». وأشار البيان إلى أنه «سيتم خلال أيلول (سبتمبر) المقبل، وكما جرت العادة في كل عام، توقيع اتفاقات منح بقيمة 360 مليون دولار ضمن برنامج المساعدات الأميركية الاقتصادية الاعتيادية للعام 2013». وبذلك سيصل «مجموع المساعدات الأميركية الاقتصادية للمملكة خلال العام 2013 إلى حوالى 560 مليون دولار، تشكل المنح النقدية المخصصة لدعم الموازنة للعام 2013 منها حوالى 384 مليون دولار»، وفق البيان.