يُعتبر مرسم «301» علامة جديدة ومسجلة في واقع الفن الفلسطيني تحت الاحتلال، خصوصاً أن محافظة رام الله أخذت الوهج والاهتمام لموقعها السياسي والاقتصادي، وهي المحافظة التي بدأت تأخذ شكل المدينة الطاحنة لأحلام من يريد الإقامة فيها من أبناء المدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية. يبد أن للفنان الشاب منذر جوابرة فكرة اخرى، استطاع من خلالها ان يغامر ويعود الى مدينته بيت لحم، تاركاً وظيفته والنشاطات الفنية التي شارك فيها مع أقرانه الفنانين. ويؤكد الفنان والناشط الفني ان أحد أسباب تركه محافظة رام الله وعودته الى مدينته، حجّم التهميش الذي تعانيه المدن الفلسطينية: «كان حلمي حين ساهمت في تأسيس بعض المؤسسات الثقافية في رام الله ان ننتقل الى مدن اخرى وأساهم في دعم الفنانين الشباب والحالة الثقافية والفنية في بقية أنحاء فلسطين». قرر جوابرة المغامرة بمستقبله الأكاديمي والمهني والعودة الى بيت لحم وتأسيس مشروع فني يكون بوابة لانطلاق الفنانين الفلسطينيين الشباب، وفتح الباب امام الفنانين الدوليين لزيارة فلسطين والمساهمة في تحقيق حراك ثقافي وفني في مناطق الجنوب الفلسطيني. يشير جوابرة الى ان مرسم «301» يرمي الى اكتشاف المواهب الفنية، والتخفيف من حجم الهجرة الداخلية للفنانين الشباب الى رام الله من أجل أحلام قد لا تتحقق. ويعود تسمية المرسم «301» الى ما افرزته اتفاقية (اوسلو/1993)، فقد كان الاتفاق على ان يكون هناك حواجز اسرائيلية تفصل بين المناطق المحتلة عام 1948 وبين مناطق السلطة لعام 1967، وأن يتبع كل حاجز، آخر فلسطيني. لم يحدث ذلك من ناحية، وإنما كانت الحواجز الإسرائيلية فقط، وهي ازدادت في شكل ملحوظ، وشكلت ثقافة ومصطلحاً في الشارع الفلسطيني. حين تتأخر عن عملك فالسبب الحاجز، حينما تريد ان تمر بين مكانين بأمان فإن الحاجز يشكل العقبة الرئيسة. «وبما ان الحاجز الذي يفصل بين بيت لحم والقدس يسمى حاجز 300 أُطلق على المرسم اسم 301 بدل حاجز 301 كدلالة على أن الحاجز الفلسطيني هو حاجز الفن والحرية والجمال، والإشارة تقول لك قفْ وشاهدْ، وليس قفْ لتفتَّش». أسّس منذر جوابر مرسمه وسط مدينة بيت لحم حيث يبعد عن كنيسة المهد 100 متر، وما لبث أن تحول الى مزار للفنانين والجمهور بفضل النشاطات التي اطلقها وتهدف الى نشر ثقافة الوعي البصري والثقافي من خلال مشاركة الفنانين المحليين وتفاعلهم مع زوار المدينة وسكان بيت لحم والقرى المجاورة لها. ويقول: «بدأت النشاطات بدعوة الفنانين الشباب وإحضار أوراقهم وغزو الشوارع العامة للرسم، لخلق حالة فنية بين الناس. من ثم تطوّرت الفكرة وبدأت بعض المساهمات في الفضاءات العامة والتجمعات السكانية والمهرجانات، من التماثيل البشرية، ومن ثم مشروع «فنّن حارتك»، انطلاقاً من فكرة الرسم على الحاويات مروراً بالرسم على الجدران». ويضم «مرسم 301» حالياً محترفاً للفنانين وإقامة فنية لمن يرغب في زيارة فلسطين والعمل في نشاطات لها علاقة بالفضاءات العامة. وساهم الحصار الإسرائيلي للمدن الفلسطينية، خصوصاً بيت لحم، في خنق الناس والمدينة، فأي سائح أو زائر يدخلها يشعر بهذه الحالة، كما يقول جوابرة. ويضيف: «تحتاج المدينة إلى هذه النشاطات لأهداف عدة، منها غياب المؤسسات الفاعلة والمهتمة بمثل هذا النوع من الفن، على رغم وجود كلية جامعية تعمل على تخريج طلاب الفنون، وكذلك في الخليل وأبو ديس، كما أن موقع بيت لحم الذي يتوسط هذه المدن سيعمل على تعزيز دور الفن والتشبيك بين هذه المدن لخدمتها واستهدافها في العديد من المشاريع». بيت لحم مدينة تاريخية سياحية دينية، وهي في حاجة إلى هذا النوع من الفن الذي يقدّم صورة مختلفة عن فلسطين، وتتقاطع مع الفنون الحرفية التي تقدمها المدينة. ويقول جوابرة :»نعمل حالياً على مشاريع لها علاقة بتطوير المهارات والتصاميم وتمكين الشباب من الفن الحرفي كنوع من أنواع الفنون الذي يتلاشى شيئاً فشيئاً». ويوضح: «على رغم أن فكرة المرسم الحديثة في بيت لحم وأقبل الناس عليها بحذر في البداية، فإنها تجد اهتماماً اجتماعياً جدياً لا سيما أن الناس بدأوا يشعرون بالفائدة الاجتماعية والشخصية الذي يوفره «مرسم 301» من رسم على الجدران (غرافيتي) وتجميل الحاويات، وحملات التطوع ونظافة شوارع المدينة العامة». المرسم قدّم عدداً من النشاطات، ومنها الترويج للفن الفلسطيني، وبيع لوحات لفنانين محليين، علما أن «مرسم 301» من أولى المؤسسات التي بادرت إلى هذه الخطوة، وتشجيع اقتناء الفن الفلسطيني، وإقامة ورش فنية ورسم جداريات على الطرق، ضمن مشروع «فنّن حارتك». وحالياً يقام محترف فني يعمل فيه ثلاثة فنانين لإنتاج مشاريعهم. ويتطلّع المرسم إلى تنظيم ورش فنية ودورات في الحرف اليدوية التي تزخر فيها المدينة، وتشبيك بين دول المنطقة لدعوة الفنانين والمساهمة في دعم هذه البرامج. ويقول جوابرة: «نحّضر لزيارة خمسة مصممين ونحاتين من المغرب خلال آذار (مارس) المقبل، كما نعمل لتنظيم معارض خارجية لفنانين محليين».