تحتاج دول «الربيع العربي»، إضافة إلى الأردن ولبنان والمغرب ودول أخرى في المنطقة، إلى استقرار سياسي واجتماعي وأمني، إذ يؤدي عدم الاستقرار إلى ارتفاع الأخطار ما يدفع استثمارات قائمة إلى الهروب ويوقف تدفق استثمارات جديدة، سواء منها الاستثمارات المباشرة في القطاعات الاقتصادية المختلفة أو الاستثمارات غير المباشرة في أسواق رأس المال. وتأتي في مقدم الاستثمارات غير المباشرة الاستثمارات في الأسهم والسندات والصكوك، ما يساهم في تراجع تدفق العملات الأجنبية مع ما يرافق ذلك من تداعيات سلبية على ميزان المدفوعات واحتياطات الدول من العملات الأجنبية، ما يضر بالتالي باستقرار أسعار صرف العملات الوطنية والتصنيف الائتماني لهده الدول، خصوصاً مع مبادرة وكالات التصنيف الائتماني إلى خفض مراتب الكثير من هذه الدول. ويؤدي هذا الخفض عادة إلى صعوبة في الحصول على القروض الخارجية ويرفع أسعار الفائدة عليها. ويؤثر استمرار عدم الاستقرار السياسي سلباً في أداء القطاع السياحي الذي يلعب دوراً مهماً في الكثير من دول المنطقة. وتسبب تراجع أداء هذا القطاع بارتفاع مستوى البطالة وخفض تدفق العملات الأجنبية، ناهيك عن تأثيراته السلبية المختلفة في أداء الكثير من القطاعات المرتبطة بالسياحة، مثل قطاع الفنادق والمطاعم والمواصلات والطيران وغيرها، ما ساهم في تراجع النمو في الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول. وتكثر التأثيرات السلبية لعدم الاستقرار السياسي في أداء البورصات وتذبذب مؤشراتها مع الأخذ في الاعتبار أن الأخطار السياسية والأمنية والاجتماعية تشكل ما نسبته 50 في المئة من المؤشر المركب لقياس الأخطار المتعلقة بالاستثمار في أسواق المال. وكلما ارتفع مستوى الأخطار يتطلب المستثمر عائدات أكبر لتغطية كلفة هذه الأخطار بعكس العائدات المطلوبة من الاستثمار في الدول المستقرة سياسياً وأمنياً واجتماعياً. ومن الأمثلة البارزة التأثيرات السلبية للأزمة السورية في الدول المجاورة، وتأثيرات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في مصر في أداء الاقتصاد الوطني بقطاعاته كلها، فتراجع معظم مؤشرات أداء الاقتصاد ما ساهم في رفع مستوى الفقر والبطالة وخفض تدفقات العملات الأجنبية ونضوب احتياطات المصرف المركزي في شكل أدى إلى انخفاض سعر الجنيه بنسبة كبيرة في ظل تراجع تحويلات المصريين المغتربين في دول «الربيع العربي» نتيجة ارتفاع أخطار أسعار صرف العملات الوطنية لهذه الدول. والمستثمرون في أسواق المال في المنطقة وفي مقدمهم الخليجيون أصبحوا يضعون الاستقرار السياسي والأمني في مقدم متطلباتهم عند اتخاذ قرارات الاستثمار في أي دولة. لذلك، انسحب عدد كبير منهم من الاستثمار في بورصات كثير من دول المنطقة التي تشهد عدم استقرار ناقلين إياها إلى أسواق المال في دول تنعم بالاستقرار. ومعلوم أن أسواق المال تلعب دوراً مهماً في أداء الاقتصادات الوطنية وتساهم في تعزيزها. * مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»