يرتبط تدفق الاستثمارات المباشرة أو غير المباشرة على أي دولة من خارج حدودها بتوقعات المستثمرين المعنيين للعائدات الممكنة من استثماراتهم، لكنه يعتمد أساساً على انخفاض مستوى الأخطار المختلفة، سواء منها السياسية أو الاجتماعية أو الأمنية أو الاقتصادية، فارتفاع أي من هذه الأخطار يدفع المستثمرين الأجانب إلى طلب عائدات مرتفعة لتغطية التكاليف المتوقعة من الأخطار المعنية. معلوم أن الاستثمارات الأجنبية تلعب دوراً مهماً في تعزيز النمو الاقتصادي لأي دولة، وتشكل الأخطار السياسية والاجتماعية ما نسبته 50 في المئة من المؤشر القياسي للأخطار المتعلقة بالاستثمارات في أي بلد، وتشير دراسات كثيرة إلى وجود علاقة مباشرة بين النمو الاقتصادي من جهة والنمو السياسي والاجتماعي من جهة أخرى. ويلعب الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني إلى جانب ذلك، دوراً مهماً في استقرار سعر صرف العملة الوطنية، ويحجب بالتالي بروز أخطار تتعلق بأسعار الصرف، إضافة إلى أنه يعزز تدفق الاستثمارات الأجنبية على أسواق المال وارتباط هذا الاستقرار بالتصنيف الائتماني للدول ومؤسساتها الاقتصادية والمالية والاستثمارية من قبل وكالات التصنيف العالمية المختلفة، فخفض التصنيف الائتماني لأي دولة يرفع تكلفة الحصول على التمويل، ما يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وربما تراجعه، إلى جانب كثير من التأثيرات السلبية لهذا الخفض. ولا يمكن إنكار الدور الذي يلعبه الأمن الاجتماعي والسياسي في بناء المجتمعات الحديثة باعتباره من العوامل الرئيسة في ضمان منجزاتها وتقدمها، فهو يحقق البيئة الآمنة للعمل والبناء ويبعث الطمأنينة في النفوس ويشجع على الإبداع والانطلاق إلى آفاق مستقبلية. وثمة مثل عربي يقول: «الأمن أهنأ عيش والعدل أقوى جيش». وما حدث في تونس خير مثال على أهمية الاستقرار السياسي والاجتماعي بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب، فقد لوحظ خروج مكثف للاستثمارات الأجنبية في كثير من بورصات المنطقة بعد أحداث تونس، خصوصاً من البورصة التونسية التي خسرت ما نسبته 12 في المئة خلال الأسبوع الأول من الأحداث. وتكرر الأمر في مصر خلال الأحداث الجارية هناك، إذ خسرت البورصة المصرية نحو 6.8 في المئة. ووصل انخفاض بورصة الدارالبيضاء إلى ما نسبته اثنان في المئة، تأثراً بما جرى في دول أخرى، وعلى رغم الاستقرار في المغرب. وتردد صدى الإطاحة المفاجئة بالرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، في أسواق الدّين في منطقة شمال أفريقيا بعدما خفضت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السندات التونسية إلى Baa3، وهي درجة أعلى من درجة الخطورة العالية مع توقعات مواجهة مشاكل بيع سندات بقيمة 2.7 بليون دولار خلال هذه السنة. وفي المقابل ارتفعت تكلفة التأمين ضد العجز عن تسديد الديون في بعض دول المنطقة بينما يتخوف بعض مديري الصناديق الاستثمارية العالمية من انتقال العدوى التونسية إلى دول عربية أخرى. ويُلاحظ في المقابل استمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية على دول الخليج التي تنعم باستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني يحفظ حقوق المستثمرين ويلعب دوره المهم في تعزيز النمو الاقتصادي. * مستشار في «بنك أبو ظبي الوطني»