بعد التراجع الكبير في احتياطات العملات الأجنبية لدى معظم دول «الربيع العربي»، اضطرت هذه الدول إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قروض تعزز هذه الاحتياطات، باعتبار أن الصندوق هو صندوق الطوارئ أو المقرض الأخير، كما أن كلفة الفوائد على قروض الصندوق تكون عادةً أقل منها في أسواق المال حيث تعدَّل أسعار الفائدة باستمرار للأخذ في الاعتبار الأخطار المستجدة أو المنحسرة في الدول الطالبة لقروض. وحصل ارتفاع كبير في أسعار الفائدة على القروض المطلوبة في أسواق المال من دول «الربيع العربي» بسبب خفض تصنيفاتها الائتمانية من قبل الوكالات الدولية المتخصصة، بدعوى ارتفاع الأخطار الاقتصادية والسياسية المحدقة بها، وحصل تراجع لأسعار صرف عملاتها الوطنية، إلى جانب التراجع الكبير في احتياطات العملات الأجنبية، لأسباب أبرزها تراجع أداء قطاعات السياحة والخدمات والتصدير، وانحسار تحويلات المغتربين، وتقلص تدفقات الاستثمار الأجنبي، سواء منه المباشر وغير المباشر. وحصل الأردن، مثلاً، على قرض من الصندوق قيمته بليوني دولار بعدما تراجعت قيمة احتياطات العملات الأجنبية من 12.2 بليون دولار في كانون الثاني (يناير) 2011، أي قبل بدء «الربيع العربي»، إلى 6.87 بليون نهاية آب (أغسطس) الماضي. ويساهم ارتفاع احتياطات العملات الأجنبية، كما هو معلوم، في تعزيز سعر صرف العملة الوطنية والحفاظ على قوتها وجاذبيتها كعملة ادخار واستثمار، إضافة إلى مساهمته في خفض أخطار أسعار صرفها من قبل المستثمرين الأجانب أو المغتربين أو المصدرين والمستوردين. وتعتبر احتياطات العملات الأجنبية مرآة لميزان المدفوعات ومؤشراً مهماً للملاءة المالية التي يتمتع بها الاقتصاد، فارتفاعها يساهم في زيادة ثقة المقرضين في وفاء الدولة بالتزاماتها وخدمة ديونها الخارجية، وبالتالي في تحسن تصنيفها السيادي، ما ينعكس إيجاباً على تغطية قروضها الخارجية وأسعار الفائدة على هذه القروض. وتلعب قوة احتياطات العملات الأجنبية دور صمام الأمان الذي يحمي الاقتصاد من أي صدمات أو انكشاف على الأخطار الخارجية وتساعد في إتمام عمليات التبادل التجاري بسهولة. وتكمن أهمية حصول دول «الربيع العربي»، بالإضافة إلى الأردن والمغرب، على قروض من صندوق النقد، في الإشارات الإيجابية التي ترسلها اتفاقات من هذا النوع إلى المستثمرين والمقرضين في مختلف أنحاء العالم، لجهة تسهيل عملية الحصول على قروض خارجية إضافية بأسعار فائدة مقبولة، إضافة إلى أن تدفق المعونات والمساعدات الدولية يرتبط عادة وإلى حد كبير بالاتفاق مع صندوق النقد. وتكون القروض التي يقدمها الصندوق إلى الدول الأعضاء فيه عادة، مصحوبة بخطاب نوايا واتفاق على حزمة من السياسات الواجب تطبيقها والتي غالباً ما تتناول ثلاث قضايا مهمة يأتي في مقدمها خفض عجز ميزان المدفوعات وخفض عجز الموازنة. لكن السياسات المالية التي تتبعها هذه الدول في ما يتعلق بسياسة دعم السلع الاستهلاكية الأساسية والخدمات العامة التي تقدمها الدولة وآلية تسعيرها لها تداعيات يقدّرها خبراء الصندوق في ظل «الربيع العربي» الذي يجتاح معظم دول المنطقة. فالآثار السلبية السريعة للسياسات المالية على فئات محدودي الدخل وما تسببه من احتجاجات واضطرابات، قد تدفع بالدول المعنية إلى إيقاف بعض هذه السياسات أو تأجيل العمل بها. ويتخوّف خبراء الصندوق وغيرهم من تعثر النمو في دول «الربيع العربي» وارتفاع معدلات البطالة والتأثيرات السلبية لكل ذلك على الاستقرار السياسي والاجتماعي، كما يقدّرون المصادر الخارجية لأخطار تدهم اقتصادات هذه الدول، وفي مقدمها ارتفاع أسعار السلع المستوردة وتراجع أعداد السياح والاستثمار الأجنبي. * مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»