خليل ماوين فنان جزائري الأصل مقيم في باريس منذ سنوات طويلة، وهو اليوم يؤلف ويلحن ويعزف على الغيتار والبيانو في فرق موسيقية عدة، إضافة إلى مشاركته كعازف وعضو في كورال الكثير من المسرحيات الإستعراضية آخرها «فراش مفتوح»، هذا العمل الذي طاف العالم كله تقريباً من أوروبا إلى أسيا مروراً بأفريقيا وحوض المتوسط وأستراليا. كان ماوين عاش ظروفاً مماثلة في 2006 مع مسرحية «أشقياء وملائكة»، ما جلب له الشهرة في ميدانه الموسيقي وسمح له باحتلال صفحات المجلات الفنية إلى جوار النجم الكندي أنطوني كافاناه، مؤلف المسرحية الأخيرة، والذي طالما أكد في أحاديثه الصحافية أن ملامح ماوين العربية الأصيلة الوسيمة وأسلوبه في العزف على الغيتار كلها عناصر تلفت إليه الانتباه بطريقة مميزة. وها هو ماوين قرر خوض تجربة تكسر القواعد الراسخة من طريق إدخال نصوص أدبية ومسرحية إلى الأغنيات التي يؤلفها ويلحنها على إيقاع موسيقى «الراي» العربية، وثم على دق الطبول الأفريقية، مستعيناً برفيقه في مسرحية «أشقياء وملائكة» الفنان الزنجي فيليكس سابال ليكو من أجل مباشرة عملية الطبول هذه، وذلك كله في مسرحية جديدة تحمل عنوان «تيسميه» (مختلط) كتبها ماوين بالمشاركة مع الأديب الفرنسي برونو فونييه. وعندما طلب ماوين من المخرجة المسرحية روبيا ماتينيون تولي الإشراف الفني على «تيسميه» وخصوصاً اختيار الممثلين القادرين على أداء الأدوار المختلفة فيها، فاجئته ماتينيون بردها المختصر جداً: «أنت الذي ستقوم بتمثيل الدور الرجالي الأول بالمشاركة مع صديقك سابال في الدور الثاني، وثم المغنية أوريلي كوناتيه في الشخصية النسائية». وردت المخرجة بأن عليهم كلهم تعلم أصول الفن التمثيلي بهدف سرد هذه الحكاية الجميلة المبنية على الهجرة الأفريقية والعربية إلى الغرب، وأنها لا ترى من قد يتفوق عليهم، خصوصاً ماوين وسابال، بما أنهما كتبا ولحنا الاستعراض، حتى إذا كان برونو فونييه أتى ببعض العبارات في الحوار. وأثارت الفكرة فضول ماوين وأغرته فوافق عليها من دون تردد، وراح يقنع سابال بفعل الشيء نفسه ودفعها إلى روح المجازفة التي تميزهما منذ سنوات طويلة عندما عاشا معاً مغامرة الهجرة التي طالما يرويها نص مسرحية «تيسميه». ولاقى المشروع إعجاب شركة فرنسية لإنتاج الأسطوانات، فحولت أغنيات المسرحية إلى «ألبوم» طرح في الأسواق قبل أن تبدأ العروض في إطار مهرجان باريس المسرحي الصيفي. وكان ماوين شارك أيضاً كمؤلف وملحن وعازف في مجموعة من الأغنيات الحديثة سجلت في شكل أوبرا، يكسر كل القواعد المعروفة لهذا اللون الفني ويضعه في متناول الجميع، خصوصاً الشباب في الغربة. أما مغامرة التمثيل، فيعيشها في كل ليلة بشيء من القلق لكونه يخشى نسيان الكلمات التي كتبها بنفسه، وهو أمر وقع بالفعل خلال عرض تميز بجلوس ممثل مسرحي قدير في الصف الأمامي، ما جعل ماوين وسابال يشعران بارتباك أنساهما بعض عبارات النص المكتوب، ولكنهما تصرفا مثلما يفعل أي ممثل مخضرم، أي أنهما ارتجلا كلمات أخرى فوراً من دون أن يلاحظ الجمهور حدوث أي شيء مخالف للعادة. ووافق النجم الكوميدي المغربي الجذور جمال دبوز، مؤسس نادي «كوميدي كلوب» (نادي الفكاهة) المسرحي المخصص لاستقبال المواهب الجديدة، على فتح قاعته لماوين وسابال لتقديم مسرحية «تيسميه»، خصوصاً أن مخرجتها ماتينيون تتمتع بدورها بجذور عربية أصيلة. وهناك أكثر من فنان وفنانة بدأوا في إطار هذا النادي وصاروا من المشاهير في المسرح وحتى السينما خلال السنوات الخمس الماضية، وعلى رأسهم الفكاهي نجم والممثلة رشيدة خليل، علماً أن دبوز يشجع أولاً الفنانين العرب الشبان من المغاربة المقيمين في فرنسا عموماً. ومن بعد هذه التجربة التي أثبتت مدى جذب المسرحية للجمهورين العربي المغترب والباريسي على السواء، ستعرض «تيسميه» اعتباراً من خريف عام 2009 في مسرح باريسي كبير يضم 800 مقعد في حي باربيس الشعبي في العاصمة الفرنسية.