ينزعج عدد من الموظفين الحكوميين من تسلط المدير وممارسته الضغوط، حتى بدا هذا الإزعاج نوعاً من الإشكاليات المستمرة على ألسن الموظفين، كما أن عدم معرفة الصلاحيات والاختصاصات بين الموظف الرئيس معضلة تؤثر بشكل أو بآخر في سير العمل اليومي. بعض من الجهات يمارس فيها المدير ما يشاء أو ما يراه مناسباً من توكيل للأعمال، وضغوط على الموظفين، ومحاباة وغير ذلك من التوجيهات التي تقع بعيداً عن أعين الرقيب بطريقة أو بأخرى، ما قد يضعف من الإنتاجية أو يدفع بالموظفين إلى شرك «الإحباط» واللامبالاة بسير العمل، وانعدام روح الفريق الواحد والمنافسة بين الموظفين. يقول أحد الموظفين الحكوميين صالح أبوبكر: «تختلف إنتاجية الموظف باختلاف رئيس القسم حتى اختلاف الإدارة العليا، فبعض المديرين لا يراعون الضغوط النفسية للموظف، ولا يعتدون على سياسة التحفيز، بل يقومون بتقريب موظفين منهم على حساب آخرين، ما من شأنه أن يؤثر في إنتاجية الموظف، ويربك سير العمل، بينما يعمد آخرون على تحفيز الموظفين وزرع الألفة والمودة بينهم، لتحقيق المصلحة العامة، وبثّ روح الفريق الواحد بينهم». وفي هذا السياق، أكد المحامي المتخصص في القانون الإداري وطرق تسوية المنازعات الدكتور عبدالله العصيمي أن الغاية الحقيقية من عمل الإدارة هي تحقيق المصلحة العامة وحماية حقوق وحريات الأفراد، ولكن يمكن تفسير المشكلة الحقيقية التي تواجه هذه الغاية التي تكمن في فهم المصلحة العامة من رجل الإدارة الذي قد يتعسف باستخدام سلطته في سبيل فهمه الخاطئ لهذه المصلحة، سواء كان ذلك بقصد أم من دون قصد، وأضاف: «وعلى هذا الأساس فإنه يجب ألا يترك تحديد المصلحة العامة لرجل الإدارة، بل يجب أن يتدخل القاضي الإداري، فهو الأقدر والأجدر على رسم حدود هذه المصلحة». وأوضح أن معالجة هذه المشكلة الإدارية يكون بتقسيمها إلى قسمين، قسم يتلخص في التشريعات التي تعمل الإدارة في حدودها، إذ إن هذه التشريعات أتاحت مجالاً كبيراً للإدارة في حرية تقدير اتخاذ قراراتها بمفهوم ما يسمى بالسلطة التقديرية، كما أن ذلك أتاح «لرجل الإدارة» سلطة واسعة في حرية اتخاذ قراراته، وفقاً لأهواء شخصية وكيفية، خلاف ما يجب أن تكون عليه هذه القرارات وفق المصلحة العامة، ونحن لسنا ضد هذه السلطة التقديرية ومبرراتها، ولكن نحن ضد توسيع مجالها، إذ إن الفكر السائد الآن في التشريعات المتطورة انتقل من مرحلة التقدير إلى مرحلة التقييد. وأشار إلى «أن القسم الآخر يختص بضرورة احترام مبدأ المشروعية، وأعني بمبدأ المشروعية خضوع الحكام والمحكومين لمبدأ تسلسل القواعد القانونية، فالقواعد القانونية في المملكة مثل هرم في قمته القانون الأساسي للحكم، ثم تأتي الأنظمة العادية ثم الأنظمة الفرعية كاللوائح التنفيذية والتنظيمية والتفويضية ولوائح الضبط، ثم تأتي بعدها التصرفات القانونية التي تصدرها الإدارة كالعقود والقرارات، إضافة إلى التعاميم التنظيمية وغيرها، وجميعها يجب أن تحترم ما هو أعلى منها، ولا تخالف تعاليم وسماحة الشريعة الإسلامية». واعتبر أن حماية هذا المبدأ تتم بالرقابة السابقة التي تتعلق بجزئيتين، الأولى تتعلق برجل الإدارة نفسه، فعليه أن يعي أهمية هذا المبدأ، ويلتزم به، ولا يتعسف، أو يتخذ قراراً مخالفاً لذلك تحت طائلة إلغاء هذا التصرف من القاضي الإداري، والثاني يتعلق بالإدارات القانونية التابعة للإدارة، فمعظم هذه الإدارات لا تقوم بدورها على الوجه الأكمل، بل إن دورها مختزل فقط في التصدي للخصومات، مشيراً إلى أن الواجب عليها أن تقوم بدور توعوي تثقيفي لرجال الإدارة في رسم حدود صلاحياتهم القانونية وفق مبدأ المشروعية. وأضاف: «أعتقد أن سبب ذلك يعود إلى سطوة السلطة الرئاسية التي يمارسها رجل الإدارة على هذه الإدارات القانونية، خصوصاً أنها تتبع له كسلطة رئاسية، يعيق استقلاليتها في اتخاذ قرارها بشفافية، وإن حل ذلك يكمن في فصل هذه الإدارات عن الإدارة التي تعمل لصالحها وارتباطها بإدارة أخرى مستقلة، وإن كان الأمر يحتاج إلى إنشاء وزارة قانونية ترتبط بها تلك الإدارات». وأشار العصيمي إلى أن الجزئية الأخرى التي تهتم بالرقابة اللاحقة، وهي جزئية مناطة بالقاضي الإداري، وهو قاضي المشروعية من خلال الرقابة على صحة تلك التصرفات القانونية للإدارة واحترامها لمبدأ المشروعية، وخصوصاً في ما يتعلق بفهم رجل الإدارة للمصلحة العامة التي طالما تذرع بها، ليخفي من خلالها أهداف وأغراض شخصية لا تعبر إلا عن ما يضمره في نفسه، ولفت إلى أن ذلك منوط بمن له مصلحة في إبطال تلك القرارات التعسفية، لأن حقه لا يمكن أن تتم حمايته إلا من خلال الدعوى التي يجب أن يقيمها للحفاظ على تلك الحقوق، وإن كانت بسيطة، مؤكداً أن القصد من حمايتها هو حماية مبدأ المشروعية كمصلحة عامة، يعبر عنها من خلال الحماية المتعلقة بتلك الحقوق، وإن تهاون كثير من الموظفين بقيمة تلك الحقوق تؤصل فكراً بغيضاً لدى بعض رجال الإدارة في انتهاكهم لها.