يعد القضاء الإداري من منظومة القضاء في كيانات الدولة، سواء كان هذا القضاء في جهاز مستقل أم كان ضمن نطاق القضاء، وكلا الأسلوبين له إيجابياته وله سلبياته، ومع ذلك يظل القضاء الإداري قضاء متخصص له قواعده التي تحكم إجراءاته وموضوعاته، وبالنظر إلى مصادر التأهيل القضائي في السعودية نجد الضعف العام في تأهيل متخصصين في القضاء الإداري، ويمكن القول إن القضاء الإداري يشترك مع القضاء التجاري والجزائي والعمالي والحقوقي في القواعد القضائية العامة، مع وجود فوارق في قواعد القضاء الإداري من حيث الإثبات، ومبدأ استمرارية المرافق العامة والسلطة القضائية الواسعة في حل النزاعات بما يتوافق مع مقتضيات النشاط الإداري ومتطلبات المصلحة العامة التي تقوم عليها الإدارة، وبين كفالة حق الطرف الآخر في المنازعة ومصلحته الخاصة، ولعلي في هذا المقال أشرح للقارئ الكريم أهم العناصر التي يحتاج إليها المختص في القضاء الإداري: 1 - معرفة قواعد أصول الفقه: وخاصة ما يتعلق بدلالة الألفاظ، وقوة الدلالة وأحكام النسخ والأحكام الوضعية ومباحث علم القياس وتطبيقاتها، ومثال ذلك: دلالة النص النظامي العام والنص الخاص وكيفية عمل الموازنة بينهما أو الترجيح وفق قواعد محددة، وكذلك تعارض النصوص النظامية والنسخ وترتيب الأدلة النظامية من حيث القوة، ومن ذلك الأوامر الملكية، فالمرسوم الملكي أعلى الدرجات النظامية من حيث القوة، ويأتي بعده الأمر الملكي، وعلى هذا يقاس.. ونخلص من ذلك أن هناك ارتباطا وثيقا بين قواعد أصول الفقه والقضاء الإداري. 2 - معرفة القواعد الفقهية: وهي نتائج استقرائية لفروع الفقه الإسلامي، حيث تتولى هذه القواعد بعد دراستها ترتيب عقلية القاضي الإداري في مراعاة الموازنة بين أدلة الإثبات، وكيفية حسم النزاع، وهذه القواعد يمكن أن تطبق في النظام الإداري من حيث إعمال المبادئ الأساسية لمعانيها، فالمصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة، وقاعدة لا ضرر ولا ضرار وغيرها من القواعد المهمة للقاضي الإداري هي مستمدة من القواعد والضوابط الفقهية. 3 - علم مقاصد الشرع: وهذا العلم مهم جداً للقاضي الإداري فعن طريقه تؤسس قواعد العدل والمصلحة في الاجتهاد القضائي وإعمال الموازنات وفقه الأوليات، ومثال ذلك التعامل مع النص النظامي الجوازي، فالأصل أن القاضي الإداري لا يلزم جهة الإدارة بأي شيء ما دام أن النظام في هذه المسألة جعله من قبيل الجواز، ولكن إذا كانت جهة الإدارة تعسفت في استعمال الجواز بما يخرم قواعد العدل بين الإفراد المخاطبين بالجواز فعند ذلك جدير بالقاضي الإداري التدخل انطلاقا من قواعد المشروعية المتمثلة في المقاصد الشرعية وتحقيق العدالة والمساواة في المراكز النظامية، ولا يجوز لحظتها للقاضي الإداري الاحتجاج بالجواز النظامي لأن الجواز النظامي يجب أن يكون متوائماً مع قواعد العدالة والمصلحة، وإلا كان ذلك أسلوباً للتعسف والظلم تحت غطاء الجواز النظامي، وكثيرا ما يكون موقف القضاء الإداري سلبياً في هذا الاتجاه للجمود على ظاهر النص الجزئي وترك المعاني الأساسية للأنظمة والمتمثلة في العدالة، ومن أفضل الكتب في علم المقاصد كتاب الطاهر بن عاشور، وكتاب المقاصد للدكتور عبد المجيد النجار، وكتب الدكتور الريسوني ويأتي كتاب الموافقات للإمام الشاطبي معها للمتخصصين. 4 - دراسة القانون الإداري: وهذا العلم واسع يتضمن نظريات وقواعد بعضها لم يتم تدوينها، وغالباً ما تعرف قواعده من خلال الكتب القانونية، وكذلك مبادئ القضاء الإداري والأنظمة واللوائح وشروحها، والقانون الإداري يتسم بالمرونة والقابلية الدائمة للتطوير؛ نظراً لأن حاجة المجتمع تتطور باستمرار نتيجة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والتقني الذي يعكس تطور وظيفة الدولة الحديثة واتساع صور أنشطتها، وأهم المباحث التي ينبغي الاعتناء بها للمهتم بالقضاء الإداري ما يتعلق بمصادر القانون الإداري والاهتمام بالعرف الإداري وأحكامه وتفعيل القوة الملزمة فيه والتي لا تخالف صحيح وصريح الشرع والنظام، وكذلك أحكام التفويض الإداري ودوره في التنظيم الإداري، ثم الاهتمام بموضوعات نشاط جهة الإدارة وامتيازاتها، وخاصة ما يتعلق بالمبادئ الأساسية الملزمة للمرافق العامة، والضبط الإداري والرقابة عليه والفرق بين الضبط الإداري والضبط القضائي، وكيفية الرقابة على الضبط الجنائي الذي هو في غالبه فرع من الضبط الإداري، ثم امتيازات الإدارة العامة في السلطة التقديرية وإصدار القرار الإداري، ونزع العقارات وإبرام العقود الإدارية وأسلوب شغل الوظائف العامة وأحكام الموظف. 5 - ختاماً دراسة كتب القضاء الإداري: سواء في القرارات الإدارية أو العقود الإدارية أو قضاء التعويض ومعرفة أحكام المسؤولية التقصيرية والعقدية وللإحاطة بعض كتب القضاء الإداري يأتي عنوانها ب (رقابة القضاء على أعمال جهة الإدارة). إن إتقان القضاء الإداري وفهم مبادئه وتطويرها يعتبر من فروض الكفايات التي ينبغي الاعتناء بها خاصة مع قلة المتميزين فيه، ومن أهم السبل لبناء الملكة الفقهية للمهتم بالقضاء الإداري الاعتناء بالعناصر الخمسة السابقة التي تقوم بتأسيس الشخصية القضائية المجتهدة. وحري بالجهات الأكاديمية المرتبطة بالسلك القضائي الاعتناء بالاختصاص القضائي ورسم البرامج التي تبني الاجتهاد القضائي المنتج، التي تعود على المجتمع بالخير العميم. اسأل الله لكم التوفيق والسداد واعلموا أن مع شدة الظلام يأتي الصباح ولن يغلب عسر يسرين. نقلا عن الاقتصادية السعودية